بداية أعتذر لأني انقطعت لبضعة أسابيع عن الكتابة هنا؛ أعادتني إليها بالأمس فاجعة رحيل الإنسان الأديب غازي القصيبي ـ رحمه الله ـ فبعد ما يقارب أربع سنوات من الكتابة في "الوطن" دون غياب؛ كان حتما علي أن أنفض مكان "كلاكيتيات" في هذه الصفحة "الوطنية" مني، ومن صراحة الأسئلة التي حملتها المعاني وأزعجت كثيرا وأقلقت إخواني واستنفرت مشارطهم الجراحية في قسم الرأي، الزميل عيسى سوادي وشريكه السابق الذي غادرنا إلى "دبي" الزميل مازن العليوي؛ لينضم لحالة القلق الزميل الشاعر أحمد التيهاني مؤخرا إلينا؛ فهي "مطرقة المعاني المقلقة" التي ربما أغضبت كثيرين من صاحبتها؛ لكني أكيدة أنها في المقابل ساعدت آخرين أحبوا الصراحة! وكيف لا؟! وهي تحشر صاحبتها في كل كبيرة وصغيرة مادامت تتعلق بإنسان وإيمان وحياة ووطن هذه الأرض الطيبة الحبيبة! ولا أكذب عليكم؛ لقد باتت هذه الأسئلة تلاحقني أينما ذهبت، وتفسد علي متعتي وتقتحم خصوصيتي، وتصيبني بالغيظ أكثر حين تتقافز أمامي عدة إجابات تتراقص بلؤم، وكل منهم يقول"التقطيني أنا ..لا أنا" !! ولا مجال إلا في الاستعانة بصديق "الكتاب"!! وأجدني بعدها أركض معها إليكم.
اليوم استأذنكم بالغياب، ولا أعلم متى أعود!؟ لكنه ملح جدا ويدفعني إليه كائن مُتعب ومجهد من الركض ومن "طرق" أسئلته المزعجة النزقة التي تحتاج إلى ترويض قبل عبورها لـ "كلاكيتيات"، أسئلة تدفعني إلى سفر طويل ولا ترضى إلا بإدخالي إلى دهاليز التاريخ وصُحفه ومسوداته السوداء، ـ أعني التاريخ ـ وهو أكثر الكائنات "الورقية" حيلة ورياء ونفاقا وكذبا؛ إذا ما رفضت حمله أسفارا على ظهرك الطيني؛ ولا محالة حينها من أن تُسقط بطولات شخوص أحببناها أو تشاهد حوادث كانت يوما درسا تتلمذ عليه؛ وتكتشف أنها مجرد أساطير سطرها الأولون ليجعلونا "نحن" عاجزين عن التسطير!
أسئلة نزقة فعلا تقتات على مسلمات "فكرية" تقبع تحت جُلودنا كي لا نراها، وتغذي بها عقولنا كي نسلم شرّ صانعيها! وكثيرا ما تعيقنا عن السفر حيث اللا مكان.. وهل تُوجد جغرافية في هذا الكون لا تقبع داخل جوفه الأمكنة! حتى الفضاء الحالك في زحام المجرّات يزدحم بالأمكنة لغيرنا! ربما يكون السفر باتجاه اللامكان سفرا طويلا لا يعلم أجله سوى الرحمن خالقي وخالقكم، أيمكن أن يكون السفر باتجاه برزخ بين بحرين لا يبغيان!! وبينهما تفاصيل الغياب في سفر مُلِـح!؟ ولا زاد معي سوى شيء من التقوى تعين على المسير في رحلة الشك إلى اليقين!
وأعود لأقول في حياتنا محطات وداع عديدة؛ نحنُ يوميا في العمل والشوارع وعند إشارة المرور وحتى أمام التلفاز؛ نستقبل وجوها ونودعها في ذات اللحظة إلى لقاء قريب جدا، أو بعيد حد الغياب نفسه الذي نعيشه داخل ذاكرتنا؛ فلا نعرف إن كانت الدنيا كما يرددون "صغيرة"! أو كما يردد بعضهم "عاشر من تعاشر ولا بد من الفراق".. أخيرا سامحوني إن أخطأت بحقكم يوما؛ واسمحوا لي بالغياب لأيام وقد تكون أسابيع؛ ورمضانكم رحمة وعامكم جنة من الفرح والخير... إلى اللقاء.