يحاول المنتمون لفكر "الإخوان" اليوم، في مصر وغيرها، أن يستميلوا عاطفة الجماهير العربية عن طريق محاولة لتكريس "المظلومية" من جانب، وتكريس "التصنيف" من جانب آخر، وازداد هذان الأمران حدة في الخطاب الإعلامي بعد الخطوة التي أقدم الجيش المصري على اتخاذها، وصرّح بها سابقاً، وهي إخلاء المعتصمين بالقوة في ساحتي "النهضة" و"رابعة العدوية" في القاهرة وبقية المحافظات المصرية الأخرى، إلا أن ردة الفعل على هذا الأمر كانت محسوبة سلفاً، وهي أن أولئك الضحايا الذين ماتوا في الساحتين - من النساء والأطفال - لا يتحمل وزر موتهم سوى طرف واحد هو الجيش الذي اتخذ القرار، وذلك في ظل (تبرئة مطلقة) للخطاب السياسي الإخواني، حيث استقطب السياسيون المجتمع بخطابهم الأيديولوجي وحرضوهم على "الاستشهاد" في كارثة إنسانية سوف تمر ويتنصلون منها، رغم أن الرئيس المعزول (محمد مرسي) حرض على القتل وبعث إشارات خطيرة قبل أن يتم عزله، وكانت مسؤوليته في ذلك كبيرة، إلا أنه ربما اختار عدم تحمل مسؤوليته التاريخية في تجنيب الشعب والبلاد القتل والتدمير.
القتل من أبشع الجرائم الإنسانية مهما كانت مبرراته، ولكن هذه الجريمة تسبقها جرائم أخرى لا تقل بشاعة وهي التحريض على القتل والدعوة إليه، إلا أن "الاستعطاف بالقوة" الحاصل اليوم في كافة وسائل الإعلام تعاطفٌ مشروطٌ بشرط لازم وهو: لا يكفي أن تبدي تعاطفك مع الضحايا الذين أزهقت أرواحهم، بل يجب أن تتعاطف مع الخطاب السياسي الإخواني وفكرهم وحزبهم!
وهذا الاستقطاب السياسي الواضح عن طريق "الاستعطاف بالقوة" لن يكون مجدياً، لأنه يقوم أولاً على تصنيف كل الأطراف الأخرى بقالب معين تمهيداً لاتهامهم بالخيانة! وهذا الاتهام التصنيفي يهدف أخيراً إلى معادلة واحدة: إما أن تكون إخوانياً وإلا فأنت كافر! وهذا يعني أن الخطاب الإخواني لا يختلف أبداً عن الخطاب الإرهابي في مكوناته الأساسية، وانطلاقاً من ذلك لا يمكن لأي خطاب أيديولوجي أن يحقق "الاستعطاف بالقوة" إلا عن طريق تقسيم الناس إلى فئتين متناحرتين، وبناء عليه فإن الخيار يكون كالتالي: (إما أن تكون معنا أو تكون كافراً) وهذا يعني بعبارة أخرى أن المجتمع المسلم الواحد انقسم إلى فسطاطين: فسطاط الإسلام وفسطاط الكفر، وهو ذاته الخطاب التكفيري القديم الذي اتبعه الفكر التكفيري والمنتمون إليه في العالم.
لا يمكن لخطاب متطرف كهذا أن يسود اليوم محاولاً اختزال مفاهيم مهمة كـ"الحرية" و"الديموقراطية"، كما لا يمكن لأي من هذه المفاهيم أن تصمد إذا وضعت على المحك، على أرض الواقع، وهذا ما يكشف الأفكار التي يحاول أي خطاب "ديماغوجي" القفز على المنطق للتأثير عليها ثم اختطافها قيمتها لاحقاً، وهذا ما يحصل اليوم في كثير من المجتمعات، إذ إن تبرئة الذات تستلزم أيضاً الإسقاط على طرف آخر لجعله أساس المصائب، وبالتالي فإن المعادلة تكون ذات ثلاث ركائز أساسية: الاتهام والإسقاط والاستعطاف، وهذه الركائز هي مكون الخطاب الإعلامي "الإخواني" اليوم، ويبدو أنها لن تجدي في منع نهاية التنظيم التي أصبحت شبه مؤكدة بعد فشل "الجماعة" في الحفاظ على مكتسباتها، إذ مثل سقوطها السياسي السريع سقوطاً مدوياً للخطاب الديني (الفاشستي) في العالم الإسلامي، ومهما كانت الظروف الحالية فإن الإشكالية الرئيسة في كل الأحداث المتشابهة والمتشابكة من حولنا هي "تبرئة الذات" من الفشل، ليس الفشل السياسي فحسب، بل الفشل الفكري، ونتيجة لسيادة الفكر العنيف ينتج عن ذلك محاولة انتزاع كل شيء بمبدأ العنف السائد.. حتى التعاطف!
ولأن العاطفة من الدوافع الأساسية لدى الإنسان وكائنات أخرى، ولكن نظراً لما تميّز به الإنسان من عقل، فإنه قد يحاول استثمار هذه العاطفة في السيطرة على إنسان آخر وتوجيهه الوجهة الفكرية التي يريد؛ ولهذا يظهر الخطاب "الديماغوجي" ليكون بمثابة "التخدير" الذي يسبق العمليات الجراحية!