يقال في المثل إن مصر إذا عطست زكمت دول العالم العربي، وهو مثل يصور حالة واقعية تشهد لها الحقائق التاريخية القريبة والبعيدة، فهي من حيث التاريخ والموقع والمجتمع تمثل مرتكزاً مهما في العالم العربي والإسلامي، وهي النقطة الفاصلة التي تربط الشرق بالغرب، موقعها الاستراتيجي وخاصة قربها من إسرائيل والحروب التي خاضتها معها، وكونها مفرخة للعقول العربية والأيدي العاملة والتوازن الاستراتيجي كل ذلك يجعلها تحتل محل الصدارة في الاهتمام، وجعل شأنها الداخلي هو شأن لكل عربي ومسلم.
لقد كانت مصر مرتكزاً للحملات التي تريد أن تنفي عنها عروبتها وإسلامها وبقيت صامدة إلى اليوم في مواجهات حملات الاستعمار الناعم والخشن، فهي لم تنقطع ولن تنقطع ما دام هناك مخطط رهيب لتفتيت العالم الإسلامي وإدخاله في موجة من الفوضى والتشظي والدماء والفتن، وقد ركب المستعمر أبناء الأمة لتحقيق مآربه بالمجان، وقدموا له كل ما يحتاج في سبيل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الذي يقول عنه ريتشارد بيرل في سنة 2003 "العراق هدف تكتيكي، ومصر الجائزة الكبرى، والسعودية الهدف الاستراتيجي"، حيث يسعى المخططون إلى خنق مصر من داخلها وإدخالها في دوامة من العنف حتى تكون لقمة سائغة لإسرائيل في وقت قياسي بعد أن ينهك جيشها ويدمر كما دمر جيش العراق، فتعيش إسرائيل في أمن واستفراد في المنطقة سياسياً واقتصاديا وعسكريا.
وقد كان من ضمن المخطط المسمى بـ( الطوق الأبيض حول مملكة العرب) أن يدمر الجيش العراقي والسوري والمصري حتى تعيش إسرائيل في أمن وأمان، وعليه فإن كل تصعيد للمواجهة داخل مصر هو يخدم في نهايته الدولة العبرية، وإن كل استهداف للجيش المصري هو استهداف للأمة كلها، والمصلحة الشرعية والعقلية والسياسية تقتضي ترك كل نزاع داخلي في مصر لحفظ كيان مصر من هذا المصير، ولذا كان من المؤسف الذي يندى له جبين الإسلام والعروبة والشرف والأمانة أن يتوجه الخطاب التحريضي والتكفيري إلى الجيش المصري مهما كان حجم الصراع السياسي بين الفرقاء في مصر، فالخزي والعار سيلحق أولئك الذين يحرضون على الجيش ويراهنون على انشقاقه، بل ويدعون الغرب إلى التدخل ضده، أو تشكيل جيش مقاتل له داخل الأراضي المصرية، وهؤلاء لا يدركون في غلواء الصراع الأيديلوجي والسياسي والمصلحي أي جريمة يقترفون في حق الأمة ومصالحها الإستراتيجية حين تصعد الحرب تجاه الجيش المصري، فمهما بلغ الخلاف لا ينبغي أن يصل إلى هذه النتيجة المؤسفة والمؤلمة التي يراد أن تجر مصر إليها، ويقضى على مكانتها في خارطة عالمنا ومصالحنا.
لقد وضعت كلمة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة تجاه مصر، النقاط على الحروف في النظرة الاستراتيجية تجاهها، وأوضحت أن تدميرها وإشعال الفتن فيها سيأكل الجميع، وأن انتشار الإرهاب في ربوعها يعني إدخالها في دوامة لا تخرج منها بسهولة، وحفظها مطلب لكل عاقل يريد حفظ كيانها السياسي والعسكري حتى لو كان هناك تنازع سياسي بين القوى الداخلية، يمكن أن يحل بطرق التفاوض والسياسة والسلمية وترك التلاوم وترك صفحة الماضي والانفتاح إلى حلول مستقبلية تحقق إرادة الشعب المصري في التغيير، وفي نفس الوقت تحل خلافاتهم بالحوار بعيداً عن أي مظهر من مظاهر العنف والاحتراب الداخلي.
إننا نعيش في مرحلة استثنائية للغاية، وهذا يقتضي أن ينظر الناس للأحداث بنظرة شمولية بعيدة عن التحيزات الأيديلوجية أو الأحداث الجزئية، والنظر إليها من خلال كليات القضايا السياسية والمخططات الكبرى التي تصب في نهايتها لتدمير العالم الإسلامي الذي سيطال شرره الناس كافة، وهذا يعني ترك الضخ العاطفي والخطاب الدوغمائي، وإعمال العقل والهدوء، والتألم للمشاهد الدموية في عالمنا لا ينبغي أن يحدد مواقفنا الفكرية بل العقل الراشد الذي يرسم طريق الخلاص فـ(لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما).