لم يكن أكثر خصوم جماعة الإخوان تفاؤلاً يتخيل نهايتها الدرامية على هذا النحو السريع، وخسارة كل شيء بعد عام من وصول أحد قادتها لسُدّة الحكم، وهو الرئيس المعزول محمد مرسي، وردود فعل الجماعة العدوانية ممثلة بمخطط يحمل عنوان: "الأرض المحروقة"، ويستهدف إشاعة الفوضى والعنف والاغتيالات والتفجيرات في شتى ربوع مصر.

وبنفس السياسات المتشنجة ارتد الإخوان للعمل السرّي وتبني مواقف راديكاليّة بدأت بحمل السلاح والتورط في مواجهات دامية وممارسات إرهابية شاهدها الملايين، كتفجير المنشآت العامة والخاصة والكنائس، واتخاذ المساجد "ملاذًا آمنًا" ليضعوا الشرطة في موقف حرج، فلبيوت الله حرمتها، لكن أيضًا ليس مقبولاً أن تكون مسرحًا لمواجهات، ومخازن للأسلحة و"غرف عمليات" لإدارة مخططات إجرامية، كما حدث في عدة مساجد.

"الحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى".. قالها أحد الساسة المخضرمين خلال اجتماع القوى المدنية حضرته لدراسة آفاق المستقبل السياسي المصري، وكان هناك ثمة إجماع على أن الإخوان اختاروا طريقًا يلفظهم خارج اللعبة خلال المرحلة المقبلة، فبعد انتحارهم السياسي برفض كافة الوساطات والمبادرات، وإصرارهم الأخرق على المواجهة الدامية التي أسفرت عن مئات القتلى وآلاف الجرحى، تتوقع أجهزة الأمن عودة الجماعة للعنف في موجدة جديدة قد تستغرق أعوامًا، وتُشيع الفزع في المجتمع، وتُهدّد الاستقرار.

فشل "الإخوان" في استثمار مكاسبهم السياسية، وأهدروا "فرصة تاريخية" لأسباب يعرفها الجميع تبدأ بالإقصاء حتى لحلفائهم، والاختراق الفجّ لمؤسسات الدولة السيادية بأساليب تفتقد للحكمة والحسابات الدقيقة، ما جعلهم في خصومة مع ما يوصف بالدولة العميقة، التي يعتبرها البعض "تُهمةً"، لكنها في جوهرها منظومة تؤكد رسوخ مؤسسات "الدولة العريقة"، كما يراها من يفهمون "الكود المصري" للسلطة المركزية، التي تعتبر النيل كالعمود الفقري، وحين يصل للقاهرة يصبح قلب الدولة، ثم يمضي لفرعين أشبه بالرئتين وبينهما الدلتا، لهذا يُجمع خبراء "الجيواستراتيجيا" أن مصر غير قابلة للتقسيم لاعتبارات كثيرة، أبرزها أن التنوع سمة مصرية، ومصالح أطياف المصريين متداخلة، بحيث لا يمكن تقسيم شارع واحد مثل "شارع الصاغة"، لأن متاجر المسلمين والمسيحيين ليست متلاصقة فحسب، بل تبدو كخيوط الشبكة، التي سيؤدي قطع أي خيط فيها لتلفها.

الآن يرفض الإخوان الواقع الجديد برمته، وهذا يعني اختيارهم "الإقصاء الذاتي"، لهذا يتوقع خبراء الأمن أن تعود الجماعة للعمل السري، وستصطف خلفها جماعات العنف بتاريخها الملطخ بالدماء كتنظيمات "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد" و"السلفية الجهادية" وغيرها لتنتظر مصر موجة اغتيالات وتفجيرات كما حدث في تسعينيات القرن الماضي، بل ستكون أكثر شراسة لأن الإخوان تسكنهم شهوة الانتقام، لهذا تتجه الجماعة لخسارة ما تبقى لها من رصيد، فبعد استبعادهم سياسيًا، ونبذهم اجتماعيًا، ومحاصرة مشروعاتهم الاقتصادية، وتراجع شعبيتهم نتيجة لجوئهم للعنف، واستدعاء الغرب للاستقواء به، وهذه "أم الكبائر"، فالمصريون لديهم حساسية مُفرطة تجاه الخارج، خاصة الغرب ممثلاً في أميركا والاتحاد الأوروبي.

كل هذه الخسائر تشير لحقيقة ساطعة مؤداها أن حركات الإسلام السياسي أثبتت فشلها الذريع في الحكم، رغم كل الأوراق التي كانت كفيلة لنجاحهم لو استثمروا "المزاج المصري المحافظ"، والدعم الدولي لتجربتهم، وهشاشة المعارضة المدنية وطبيعتها النخبوية، خلافًا لشعبوية الإخوان، ومع ذلك فشلوا بسرعة البرق وخسروا كل مكتسباتهم التي ظلوا طوال عقود يسعون لبنائها، لكنهم ارتكبوا سلسلة خطايا سياسية تؤكد في مجملها أنهم ليسوا مؤهلين لدور رجال الدولة.

ورغم إصرار الإخوان وأشياعهم على المضّي قُدمًا نحو العنف والمواجهات الدامية، فلم يزل هناك من يرى ضرورة احتوائهم وإعادة بناء جسور الثقة معهم لدمجهم في الحياة السياسية، ضمن مصالحة وطنية شاملة، لكن الغالبية ترى أن أياديهم تلطخت بالدماء وسعوا للاستقواء بالخارج، وبالتالي ينبغي تطبيق "الشرعية الثورية"، بما تعنيه من إجراءات قاسية، تبدأ باستبعادهم قانونيًا بحلّ الجماعة، وهو الإجراء المتوقع قريبًا، وإخضاع قادتها وعناصرها لمحاكمات ثورية لتحقيق العدالة الناجزة، وتشمل أيضًا الرئيس المعزول، لمسؤوليته عن أرواح الضحايا الذين قتلوا خلال حكمه، فضلاً عما أريق بعد إطاحته من دماء غزيرة، وحرق المنشآت العامة والخاصة والكنائس بيد أنصار الجماعة التي باتت توصم رسميًا بالإرهابية.