في عام 1994 وأثناء عملي صحفيا في جريدة الرياض متابعا لشأن العمل الإسلامي في دول العالم عبر تغطيتي لنشاطات الندوة العالمية للشباب الإسلامي كانت المرة الأولى التي أسمع فيها اسم الدكتور عبدالرحمن السميط من أحد الموظفين في الندوة، والذي وصفه بأنه "رجل الدعوة والقدوة والعمل الخيري"، وقد آلمني كما ملايين المسلمين، سماع خبر وفاته بعد معاناة طويلة مع المرض، ليترك للإنسانية أنموذجا رائعا لماهية العمل الخيري والإنساني والدعوي، والذي يندر أن يوجد له مثيل في هذا العصر الذي يتحرك فيه المتمشيخون وفق أهوائهم السياسية.

فقد العالم الإسلامي برحيل الدكتور عبدالرحمن منارة، أضاءت عالمنا الإسلامي بمعاني أن تعمل الخير دون أن تسعى من وراء ذلك سوى رضى الله عز وجل، وتمكين دينه في الأرض، عبر نشر القيم النبيلة من تراحم ومساعدة الغير وتوفير الحياة الكريمة والتعليم الذي ينير العقل والقلب.

فقد العالم شيخا بألف شيخ من تلك النماذج التي تتقدم اليوم القنوات التلفزيونية مفتية بجواز قتل المخالف ومحاربة ابن الوطن المخالف للمذهب، هؤلاء المتمشيخون المنعمون في قصور العواصم وكبائن الدرجة الأولى والمنافقون لدواعي المصالح والمتحزبون لدواعي الجماهير، الانقلابيون الذين يدسون السم في العسل ويبكون على دماء الشهداء الذين زجت بهم فتاواهم المضللة في غياهب التسييس ولعبة الكبار.

عندما أسترجع ملخص إنجازات الشيخ الجليل وما قام به في أفريقيا لأكثر من 29 سنة، أصعق من الحجم الذي أنجزه بمفرده كفرد، فقد بنى 5700 مسجد ليتعبد بها المؤمنون ويدرسون القرآن وعلومه، وحفر 9500 بئر لينعم الإنسان البسيط بالماء النقي، وأنشأ 860 مدرسة وأربع جامعات ليتعلم الإنسان من شتى الدول والأديان المعرفة الإنسانية والتي بدورها تنير العقل والفؤاد وبها تبنى الدول والأمم.

يخاف الناس من المقارنات إلا أنني هنا لا أخاف، فأقول بأن هذا الرجل الذي لم يعرف أتباع "تويتر" إلا نزرا يسيرا عنه وعن قيمته في الإسلام والعمل الخيري والإنساني، استطاع أن ينجز ما لا يحلم أن ينجزه نجمهم المتمشيخ على قائمة المغردين، وبتواضعه كسب احترام العالم، وبابتعاده عن فلاشات الإعلام ومصففي الشعور وتلوين الخدود، سيكون له إرث بين الناس سيعيش لسنوات، وسيبقى الجميع يدعون له بـ"يرحمك الله يا ابن سميط، أيها الإنسان البسيط، وأسكنك الله فسيح جناته".