لا أدري أي مصحة نفسية عالمية قادرة على معالجة المشاهد من الآثار المدمرة السلوكية والعصبية عبر عامين ونصف العام من متابعة الأحداث السياسية بمشاهدها العنيفة وأخبارها العاجلة وصورها الكئيبة، فما حدث لا يمكن أن ينتج جيلا إنسانيا قادرا على الحياة بشكل سوي، أدمن رؤية الدم والأشلاء والقصف والصراخ والركام، وتسمرت عيونه على القنوات الإخبارية ونشراتها التي لا تتوقف عن الإضاءة بأشرطتها الحمراء.

مشكلة أخرى علينا مواجهة آثارها مستقبلا، ربما تنتج سلسلة جديدة من المعتلين، فما حدث غير اعتيادي، سيول يومية من التوتر والشحن والتحليلات والصراخ والضجيج تصب في نفوسنا وأذهاننا بشكل يومي منذ عامين ونصف. لاحظوا تصرفاتكم وكيف تغيرت؟ هل تسكتون أطفالكم الذين يلهون بجواركم بسلام خلال النشرات الرئيسية؟ هل تفلتون من أياديكم المشدودة بقلق جهاز "الريموت كونترول" ولو للحظات؟ أصواتكم العالية التي تسيطر على الأجواء خلال لقاءاتكم العائلية ونقدكم الحاد لمواقف سياسية مؤشر خطير يستوجب ـ ربما ـ تدخلات جراحية، هل أصبحتم تتابعون قنوات فضائية غير تلك التي اعتدتم مشاهدتها؟ هل تحدّث حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي كل لحظة بحثا عن جديد؟ هل تحرص على فتح كل رابط يحوي عملية عسكرية أو ضحية لمواجهات الحشود؟ هل أصبحت مشغولا بالإدانات الطائفية وسجالاتها المندلعة؟ هل أصبح الصمت والانزواء يجذبانك أكثر؟

إن ذلك كله بسبب شحن القنوات الفضائية الإخبارية وتعبئتها التي يبدو أنها لن تنتهي قريبا، لأن التطورات السياسية لا تتجه للتهدئة، والمواطن البسيط الذي يتابع ذلك من خلال الشاشة، سيكون عليه دفع ثمن التحولات والتغييرات السياسية والاجتماعية.

وضع غريب وحالة استثنائية فيما خبراء تطوير الذات والذكاء العاطفي وكيف تكسب الأصدقاء وأطلق المارد الذي بداخلك يحتلون الشاشات ويراوغون للالتفاف على القضية، لأنهم تورطوا بها بشكل أو بآخر، حيث انكشف بعضهم سياسيا وحزبيا.