بدأ الدكتور عبدالرحمن السميط ـ رحمه الله ـ العمل من خلال لجنة مسلمي أفريقيا في بداية الثمانينات، على شكل مشاريع محدودة جدا، ببناء بعض المساجد في ملاوي. كانت أهدافه محدودة بتقديم بعض المساعدات، وبناء بعض المساجد، وحفر بعض الآبار. وعندما بدأت اللجنة تجوب البلدان، وتتوغل داخل القارة، وتكتشف أن المخاطر والتحديات كبيرة جدا من التعقيد والشراسة، أدرك حينها أن من المستحيل التفكير في دعم وترسيخ الهوية الإسلامية للشعوب الأفريقية دون العمل على تنمية "تلك المجتمعات"؛ لأن معظمها يعيش تحت خط الفقر والموت.. وذاك منعطف لتغير مفهوم الدعوة لديه من دلالات "المصطلح التقليدي" إلى "فهم شمولي" للنهوض بالمجتمعات المسلمة الأفريقية نهضة شاملة.

تتركز أعمال "السميط" الخيرية في أفريقيا وغيرها بأروع وأرحم صورة تذكرنا بما كان يقوم به الأسلاف، الذين نشروا الإسلام في جزر جنوب شرق آسيا وفي أفريقيا.. مارس دعوته بطابعها الإنساني الخالص وتكريس "مبدأ الرحمة" فاجتذب مئات الآلاف لخاتم الأديان.. فكان نادرا ما يقدم مبلغا ماليا للفقراء، ولكنه كان يقدم مشاريع تنموية صغيرة كفتح بقالات، تقديم مكائن خياطة، أو إقامة مزارع سمكية؛ لأنها تدر دخلا لهم، وتنتشلهم من الفقر، وغالبا تترك أثرا بالغا في نفوسهم، ولتنتهي هداية للإسلام.. كان يتساءل: "ما الذي يمنع أن تُسلمَ القارة كلها؟ ويجيب: الآن علينا عمل كبير نحاول أن نعلمهم الإسلام.. أنا عملت في أغلب الدول الأفريقية.. ورأيت كيف يدخل الناس في دين الله أفواجا، في جنوب تشاد ثمانون ألفا، في إثيوبيا خمسون ألفا من قبائل بورانا، في شمال كينيا ستون ألفا من قبائل الغبرا دخلوا الإسلام خلال سنتين فقط، ومن قبائل المساي ثلاثون قرية أسلمت عن طريق أيتامنا، الأمثلة كثيرة جدا.. المهم أن نستخدم الرحمة بالدعوة وبـ (ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ).

من مظاهر حكمته الدعوية ـ رحمه الله ـ عندما أعلن سلطان إيسالي في "نيجيريا" دخوله في الإسلام، وكذلك تفكيره في هدم الكنائس بقريته.. عندها نهاه "السميط"، ودعاه إلى عدم المساس بمشاعر المسيحيين، كما أنه دعا العلماء المسلمين إلى وضع "فقه الواقع للأقليات الإسلامية التي تعيش في الغرب"، وانتقد بشدة الدعاة الذين يزورون بلدان الأقليّات المسلمة، وينشرون فتاوى متطرفة ضد النصارى، أو يثيرون فتنا كبرى بين المسلمين حول قضايا صغيرة قد تسبب في زيادة العداء للإسلام، وتعطيل الدعوة بين الناس هناك.

خلال بدء الهجوم وتحت حجة "الحرب ضد الإرهاب" ليشمل المؤسسات الخيرية التي تقدم خدماتها للفقراء من المسلمين الذين يواجهون مع الجوع خطر التنصير في بقاع مختلفة من أفريقيا وآسيا، لم تؤثر تلك الضغوطات الدولية على ما يقوم به "السميط" من عمل خيري في أفريقيا؛ لأنه يدرك جيدا أنه ينبغي العمل بطريقة "مدروسة"، ووفق عمل مؤسس له كوادره ومتخصصوه، وأن تكون الشفافية متاحة لكل خطوة إدارية أو مالية، فكان قويا وواثقا من عمله وقنوات صرف أموال المؤسسة الخيرية التي يرأس مجلس إدارتها.

كان يطالب ـ رحمه الله ـ دائما بضرورة تدريس مادة "إدارة العمل الخيري" في الجامعات، ودعا جامعة الكويت والجامعات الخليجية إلى تدريس هذه المادة؛ كي يتم سد العجز في الكوادر المتخصصة، التي تحتاجها الجمعيات الخيرية، خاصة أنها في حاجة ماسة إلى أفراد مدربين ومعدين إعدادا جيدا يمكنهم من الولوج في العمل الإداري على أسسه العلمية الصحيحة.

أكثر ما كان يسعده خلال أكثر من ربع قرن في أفريقيا، أن يرى شخصا يرفع السبابة إلى أعلى ويعلن الشهادة، وكان أكثر ما يحزنه ويؤثر فيه إلى حد الألم والبكاء، حينما يذهب إلى منطقة ويدخل بعض أبنائها في الإسلام، ثم يصرخون ويبكون على آبائهم وأمهاتهم، الذين ماتوا على غير الإسلام، وهم يسألون أين أنتم يا مسلمون؟ ولماذا تأخرتم عنا كل هذه السنين؟!.

وفي منعطف هام يقول ـ رحمه الله ـ: "بعض القبائل المسلمة في غرب أفريقيا فرحت بي كعربي مسلم يزورهم، وأهدوني ثوبا ملكيا، ونصبوني ملكا عليهم، وعندما عرضوا علي جارية لخدمتي رفضت، وقد عُرض علي الزواج أكثر من مرة من بنات زعماء القبائل الأفريقية، إلا أنني مشغول بما هو أهم، وهو الدعوة ومن تزوج بالدعوة لا وقت له للزواج من بنات الناس!.

ولأنه يستحق الكثير الكثير.. فللحديث بقية "أحسن الله عزاءنا فيه".