من يعلمك أن الطاغية كان عظيما فهو يسرق تاريخك، ومن يعلمك أن تقتل باسم الجهاد فهو يسرق دمك، فإذا قتلت فهو يسرق يدك.. من يعلمك حرمة العشق فهو يسرق حبك.. من يعلمك أن الآخر كافر فهو يسرق إيمانك.. ومن يبيح لك دماء الآخرين وأعراضهم فهو يسرق إنسانيتك.

هذا أكثر ما أجده اليوم متوافقا ومنسجما مع الدورات الدموية التي نمسي ونصبح عليها، وهي التقاطة لقراءة فكرية وإنسانية للمفكر العراقي المعاصر عبدالرزاق الجبرين مؤسس مجلة الوعي المعاصر ومجلة إنسان، وهو تأكيد لما قاله علي الوردي من أنه "كلّما ازداد الإنسان غباوة.. ازداد يقيناً بأنه أفضل من غيره في كل شيء".

من هنا، نجد أنه لا يمكنك إقناع من هو مغمض العينين بوجود النور، ولكن بإمكانك وصف جمال النور وأثره على ما حولك من أشياء، ولن يكون نقاشاً حول وجود النور من عدمه، بل إيجادا لحافز داخل هذا الشخص ليفتح عينيه. لا تحتاج الحقيقة لمن يدافع عنها، على عكس الأكاذيب. ولا تحتاج إثباتاً فهي تبرهن نفسها بنفسها. مشكلة الحقيقة تكمن بنقلها للآخر. الأكاذيب تتطلب جدالاً، فالآخر قد يقتنع بها، ويُستخدم المنطق لإقناعه بها.

من الطبيعي أيضا أن يكون تدميرياً وقد يكون قاتلا لم تواته الفرصة بعد، فالإنسان السلبي يعيش في الظلمة.. يعيش نوعاً من الموت. يموت لكن ببطء.. هذا ما يظن أنه الحياة. ويستمر في تسميم نفسه وكل ما حوله بشتى الطرق.

أليست الحرب هي الإسقاط واسع النطاق والدموي لحياتنا كلَّ يوم؟ الحرب هي مجرد تعبير خارجي عن حالتنا الداخلية، هي توسيع لمجال فعلنا اليومي. إنها أوسع نطاقًا، أشد دموية، أكثر تدميرًا، لكنها النتيجة الجماعية لنشاطاتنا الفردية. لذا فجميعنا مسؤولون عن نشوب الحروب الصغيرة والكبيرة الدموية والفكرية.

لا تحتاج الحقيقة إلى شيء. فهي تكفي ذاتها، وإذا استشعرت وجودها فلا تحاول إقناع أحد بها فلن تنجح، أبق تجربتك معها بالمتناول، عارية دون المنطق وجدله. لا يوجد إنسان على وجه البسيطة لا يرغب في إدراك الجمال والحب والحقيقة، المشكلة ليست هنا بل في المتطرفين الذين يحاولون التفسير له وإقناعه بشيء عليه أن يختبره ليتبناه.

لنحاول أن نهذب أنفسنا وأفكارنا وأرواحنا.. نحن لا نقول إن ما تقرؤه هو الطريق للنجاة.. هناك آلاف الطرق الأخرى التي يمكن أن تتناغم معك وتهديك. المهم أن تكون مؤمناً بها وتعطي للحياة أفضل ما عندك وترى جمال النور المخبأ وراء الظلمة.