قد ينظر الكثيرون إلى السمنة على أنها أمر بسيط أو مجرد منظر غير مقبول، لكن السمنة مرض خطير وكانت من الأمراض النادرة قبل القرن العشرين، وقد أصبحت الآن أخطر أمراض عصرنا الحديث، فالمصابون بها تعدوا خمسمئة مليون شخص، وهي سبب رئيسي للموت، فهي تقتل 3 ملايين شخص كل عام حول العالم، بالرغم من أنه يمكن الوقاية منها.

وتعرّف السمنة بأنها زيادة وزن الجسم عن حده الطبيعي نتيجة تراكم الدهون فيه، وهذا التراكم ناتج عن عدم التوازن بين الطاقة المتناولة من الطعام والطاقة المستهلكة في الجسم. فأغلب حالات السمنة هي نتاج تناول سعرات حرارية بصورة مفرطة ويقابل ذلك قلة في النشاط البدني.

وأفضل معيار عالمي لقياس وتحديد معدل السمنة هو مؤشر كتلة الجسم (Body Mass Index, BMI)، وهو يعبر عن العلاقة بين وزن الشخص وطوله، فيصنف الأفراد الذين يكون مؤشر كتلة جسمهم ما بين 25 كجم/م2 إلى 30 كجم/م2 بأنهم في مرحلة ما قبل السمنة، وأكثر من 30 كجم/م2 بأنهم يعانون من السمنة، وأما من هم أكثر من 35 كجم/م2 فإنهم يعانون من سمنة مفرطة.

ويأتي تزايد متوسط السعرات الحرارية المتاحة للفرد حول العالم لتصبح السمنة وباءً عالمياً نتيجة الإفراط في كميات الطعام والاختيار السيئ مثل المشروبات الغازية والوجبات السريعة والتحول العالمي نحو أعمال تتطلب مجهوداً بدنياً أقل نتيجة وسائل النقل الحديثة وتقنيات توفر المجهود حتى داخل المنزل.

فالإحصائيات تبين أن 78% من سكان العالم لا يتبعون أدنى مستويات النشاط البدني، و25% خاملون تماماً. وبذلك تضاعفت نسبة السمنة في العالم منذ عام 1980م لتصل إلى أكثر من مليار ونصف المليار يعانون من زيادة الوزن، وخمسمئة مليون يعانون من السمنة. بل تشير إحصائيات عام 2011م إلى أن 155 مليون طفل يصنفون بزيادة الوزن، و45 مليوناً يصنفون بأنهم بدينون (يعانون من السمنة)، ويرجع ذلك إلى قلة الحركة وزيادة الوقت المستهلك في مشاهدة التلفاز وانخفاض معدل المجهود البدني والنظام الغذائي المتغير، ولذلك نجد أن نسبة الأطفال المصابين بمرض السكري من النوع الثاني قد ارتفعت من 4% عام 1990م إلى 20%، فتعزى إصابة 80% من مرضى السكر إلى السمنة.

وإذا نظرنا إلى نسبة السمنة في العالم العربي نجدها مرتفعة جداً، حتى تصدرت بعض الدول قائمة أعلى نسبة سمنة في العالم مثل: الكويت والسعودية بنسبة من 30 إلى 40% من مجمل السكان، والمخيف في الأمر أنهما دولتان ما زال معظم مواطنيهما من شريحة الشباب والأطفال، فكيف سيصير حالهما بعد عقدين من الزمن عندما ترتفع نسبة المسنين؟

إن الأمراض التي تسببها السمنة وتساهم في حدوثها كثيرة جداً، مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم ومرض السكري من النوع الثاني والجهاز الهضمي ومرض الكبد الدهني وحصى المرارة والأمراض الصدرية والصداع النصفي واضطرابات الدورة الشهرية، إضافة إلى العقم وآلام الظهر والمفاصل، بل وأنواع عديدة من السرطانات مثل سرطان الثدي وسرطان المريء والكبد والبنكرياس وبطانة الرحم والبروستاتا والكلية والمعدة وغيرها.

كما أن المصابين بالسمنة يعانون من الاكتئاب بمعدل ثلاثة أضعاف ذوي الوزن الطبيعي، فهناك صلة وثيقة بين السمنة والاكتئاب، فالأشخاص الذين يعانون من السمنة يعانون من الاكتئاب نتيجة اهتزاز ثقتهم بأنفسهم وصورتهم السلبية لأنفسهم، وكذلك مرضى الاكتئاب يعانون من السمنة بسبب التغيرات الفيزيولوجية في الهرمونات الناتجة عن الاكتئاب.

ومن النصائح العامة تناول طعام صحي متوازن يحتوي على المجموعات الغذائية الأربع: مجموعة الحليب والأجبان، مجموعة اللحوم، مجموعة الخضار والفواكه، ومجموعة الخبز والحبوب، كما يفضل تناول السمك والدجاج، وعدم الإكثار من اللحوم الحمراء لأنها عالية في محتواها من الدهون، شرب الماء بكثرة بين الوجبات فهو يساعد على تقليل الشهية، إضافة إلى استبدال الطعام المقلي بالزيت بالمشوي أو المسلوق أو المطبوخ، مع الحرص على الثلث للطعام كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم، وترك المائدة ومازال هناك استطاعة على الأكل، وألا نصل إلى مرحلة الإشباع الكامل.

إن الجزء الآخر من معادلة السمنة هو الحركة والرياضة، وفوائدهما تتعدى بكثير مجرد الوقاية من السمنة وإن كان ذلك يكفي. فللحركة والرياضة فوائد عظيمة منها الوقاية من أمراض القلب وخفض ضغط الدم وخفض نسبة جلطات القلب والدماغ وخفض مضاعفات السكري من النوع الثاني وبناء عظام وعضلات قوية وتقوية المناعة في الجسم لمقاومة الأمراض ونزلات البرد وتقوية القدرة الجنسية وتحسين نوعية النوم وصحة العقل والدماغ، وكذلك خفض نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية وتأخر ظهور علامات الشيخوخة.

وطرق تحقيق هذه الفوائد عديدة، منها بتحسين الدورة الدموية لكل أعضاء الجسم، ومنها كذلك الهرمونات التي تفرز من الدماغ أثناء الحركة مثل (الدوبامين) وهو هرمون السعادة، و(الإندورفين) الهرمون المسكن للآلام، و(السيراتونين) وهو الهرمون الذي يعمل ضد الاكتئاب والضغوط النفسية. كل هذه الفوائد يمكن أن يجنيها الإنسان بمجرد تخصيص ثلاثين دقيقة في اليوم للرياضة.

إذا تأملنا في وضع المملكة مثلا، فنجد أن الدراسات تشير أن 47 مرضاً سببها الرئيسي السمنة، وأن حجم الإنفاق على عمليات السمنة ومضاعفاتها في المملكة العربية السعودية يصل سنوياً إلى 19 مليار ريال، ويموت سنوياً نحو 20.000 مواطن بسبب السمنة. أليس من الأجدر أن ينفق هذا المبلغ في الوقاية من مرض السمنة؟ أليس الأجدر أن ينفق في بناء أندية رياضية؟ وإنشاء أندية رياضية مثالية في كل حي برسوم رمزية لا تحول بين اشتراك أي شاب وشابة؟ وإنشاء جيل جديد من النساء والرجال وقد أصبحت الرياضة جزءاً من طريقة حياتهم؟ وأن توضع ميزانية ضخمة للترشيد والتثقيف والتوعية الصحية بأضرار السمنة وفوائد الرياضة والحركة؟

لقد تعامل الإسلام مع طرفي معادلة السمنة: فأمر بعدم الإسراف في الأكل والشرب فقال تعالى "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين"، وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنٍه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً فثلثٌ لطعامه وثلثٌ لشرابه وثلثٌ لنفسه"، وأما الطرف الآخر فثناؤه على المؤمن القوي، قال صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز".

إن الجسد لأمانة عظيمة استودعك الله إياها، أنت لا تملكها وإنما يملكها خالقها. والجسد وعاء العقل والروح: العقل الذي جعله الله مناط التكليف، والروح التي هي أقدس ما في الأرض، وهي نفخة الرحمن في كل إنسان. فإذا انكسر الوعاء ذهب العقل وذهبت الروح معه، ولذلك فإن حفظ النفس هو أول المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، وإنها من الأربعة التي يسأل عنها الإنسان يوم القيامة، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع" وذكر منها "وعن جسده فيما أبلاه".

إن رأس المال الحقيقي لأي مجتمع هو الإنسان، فبه.. لا بغيره.. تبنى المجتمعات وتشاد الحضارات.. فلنبدأ بالإنسان.