في الوقت الذي جددت فيه الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة تحذيراتها للجمهور من الانسياق وراء الشائعات والمعلومات غير الصحيحة، التي يطلقها أشخاص غير مختصين بشؤون الأرصاد، ويثيرون من خلال هذه المعلومات بلبلة في أوساط الجمهور، يرى علماء الفلك أن تحليل الطقس من جهتهم لا يتعارض بحال من الأحوال مع المتخصصين في علم الأرصاد، معتبرين توقعاتهم نتيجة لاعتمادهم على دراسة العناصر الفلكية المكونة للمناخ.

من المصدر

المتحدث الرسمي للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة حسين القحطاني، أوضح لـ"الوطن" أن الرئاسة وعلى مدار العام تطلق تنبيهاتها لأفراد المجتمع بضرورة البعد عن تصريحات من يدعون علمهم بالأحوال الجوية، عبر تفسيرات غير دقيقة، مع التأكيد أن الرئاسة هي الجهة الوحيدة المخولة رسميا بتقديم المعلومات حول الحالة الجوية، فمن أراد أن يتعرف على أحوال الطقس بإمكانه أن يتابع الموقع الإلكتروني للرئاسة، الذي يوفر المعلومات كافة بهذا الخصوص أو الاتصال على الرقم 988 عبر نظام الرد الآلي، الذي يطلع المتصل على حالة الجو وذلك على مدار 24 ساعة، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك، تويتر".

وأضاف القحطاني أن علم الأرصاد مستقل بذاته عن علم الفلك، إذ إن الرئاسة منشأة كاملة معنية بالأحوال الجوية، والتي تعتمد على مجموعة من المعدات الخاصة والأقمار الصناعية والرادارات والخرائط والمراصد المنتشرة في مختلف مناطق المملكة، والأجهزة التقنية المتطورة التي تتطابق مع الاشتراطات العالمية، ويعمل فيها مختصون مؤهلون بشكل جيد للتعامل مع هذه الأجهزة وتحليل الطقس بشكل دقيق.

وحذر القحطاني الجمهور من الاستماع لتفسيرات الجو غير الواقعية، التي يطلقها أناس غير مختصين، لم يتحملوا مسؤولية تفسيراتهم التي يعتمدون فيها على قراءة كتب معينة يعتقدون أنهم من خلالها اكتسبوا خبرة كافية تمكنهم من تحليل الحالة الجوية، متناسين أن ذلك يحتاج إلى علم محض من جانب وأجهزة خاصة من جانب آخر، وقال: "البعض منهم يطلق تفسيرات جوية ولا يأبه بصحتها أو خطئها، مستغلا فضول المتلقي للتعرف على معلومات حول الطقس، متجاهلا في الوقت ذاته الضرر الذي قد ينتج من وراء تقديمه أخبار غير صحيحة يترتب عليها إرباك لأفراد المجتمع، وتأثير على الشأن الاقتصادي، حين يبادر البعض بشراء آلات تدفئة بعد سماعهم لمعلومات تفيد أن المملكة ستعيش هذا العام حالة برد شديدة لم تشهدها قبل سنوات طويلة، وهو الأمر الذي يؤثر على المتلقي الذي يتجاوب مع هذه الأخبار بعفوية ومصداقية"، وبيّن أن بعض الفلكيين يستبق الأرصاد بمعلومات ليست دقيقة أو غير واقعية، في حين تتروى الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في نقل معلوماتها بشكل يقلل نسبة الخطأ عبر اعتمادها على أحدث الطرق في تحليل الطقس.

صحة المعلومة 80%

وتابع القحطاني القول: إن موقع الرئاسة يضم عددا من الأقسام التي تعين الزائر في الحصول على المعلومة، مثل النظام الآلي للإنذار المبكر، الذي يرصد التغيرات المناخية لمناطق المملكة عبر خريطة توضح الحالة الجوية لكل منطقة بالاعتماد على أربعة ألوان هي: الأحمر والأخضر والبرتقالي والأصفر، وكل لون يشير إلى حالة معينة يتعرف خلالها زائر الموقع على حالة الجو في المنطقة التي يقصدها، وأكد القحطاني أن المعلومات التي تطلقها الرئاسة، والتي تتحرى فيها الدقة والمصداقية تتعامل معها عدد من الجهات الرسمية في المملكة مثل وزارتي التعليم والصحة، والمديرية العامة للدفاع المدني، والمرور، وحرس الحدود، وتكون نسبة صحة المعلومات 80%.

لا خلاف بين الفلك والأرصاد

فيما أوضح الباحث الفلكي وعضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، الدكتور خالد الزعاق، أن علماء الفلك يستندون في تحليلاتهم للطقس على دراسة عدد من العناصر الفلكية المكونة للمنظومة المناخية، مثل حركة الرياح، وتخلقات السحب، ونسبة الرطوبة، مبينا أن هذه العناصر تعد أصولا تساعد بشكل كبير في التنبؤ بالحالة الجوية، وذلك عبر التعرف على حركة الأرض وحالة الشمس ودورانها.

ونفى الدكتور الزعاق أن يكون هناك تداخل بين علم الأرصاد وعلم الفلك، مؤكدا أن بينهما عموم وخصوص، وهما إن افترقا في بعض الحالات، فنهايتهما الالتقاء والتوحد، وقال: "لا يمكن أن يختلفا"، موضحا أن المناخ لا يتشكل إلا عن طريق المرحلة الفلكية للعناصر المناخية، التي عن طريقها يفسر علماء الفلك الحالة الجوية، موضحا أن على الفلكي أن يكون ملما بالعناصر المشكلة للمناخ، وأن علماء الفلك الجيدين يقضون جزءا كبيرا من وقتهم في رد الشائعات التي تنتشر بين الجمهور حول حالة الجو خاصة في ظل تطور وسائل التقنية والتواصل بين الناس، وهو ما يوسع دائرة تناقل المعلومات وتبادل الأخبار بخصوص الأجواء، مما يؤكد الحاجة لمختص يقدم المعلومة الصحيحة للمتلقي.

كثرة الفلكيين

وذكر الباحث الفلكي وأستاذ قسم الفيزياء بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران الدكتور علي الشكري، أن الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بدأت قبل خمس سنوات بتفعيل دورها كونها الجهة الرسمية المعنية بالأحوال الجوية في المملكة، وجاء ذلك بعد أن تزايد عدد علماء الفلك الذين باتوا يطلقون تفسيراتهم الجوية التي تصيب تارة وتخطأ تارة أخرى، وينساق معها عدد كبير من أفراد المجتمع، الأمر الذي دفع الرئاسة لتكثيف جهودها لرد الشائعات وإرشاد الجمهور للمعلومة الدقيقة الموافقة للواقع وتكون نسبة الخطأ قليلة، وذلك باعتماد الرئاسة على عدد من الأجهزة الخاصة التي تقدر بملايين الريالات، بجانب خبراء في علم الأرصاد يحملون شهادات عليا، ابتداء من الدرجة الجامعية مرورا بدرجتي الماجستير والدكتوراه، مما أثر بشكل إيجابي على دور الرئاسة، وساعدها كثيرا في تحقيق رسالتها بعد موجة الضغوطات ـ كما أسماها الدكتور الشكري ـ من قبل علماء الفلك على الرئاسة، ومنافستهم لها في تقديم المعلومات للمتلقي الذي يبحث عمن يشبع فضوله، ويقدم له تفاصيل أكثر حول أحوال الطقس. وأضاف الشكري: كما أن القناة الأولى في التلفزيون السعودي، لم تكن تعنى كثيرا بالحالة الجوية، إذ تكتفي بعرض درجات الحرارة لمناطق المملكة في فقرة أخبار الطقس دون الإفاضة والاسترسال في حالة الطقس، مبينا أن تفعيل الرئاسة دورها في المجتمع في السنوات الأخيرة حقق نقلة في نشرات أخبار الطقس، والتي تعتمد على الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في نقل المعلومات الجوية.

أجواء متغيرة

واعترف الشكري أن علماء الفلك غير مؤهلين لتحليل الأجواء بشكل دقيق ومفصل مقارنة بالرئاسة التي تعتمد على أجهزة نوعية ودقيقة في ذلك، وقال: "علماء الفلك يستطيعون التحليل بتقديم فكرة عامة حول الطقس ونسبة الرطوبة وهبوب الرياح وهطول الأمطار ودرجات الحرارة استنادا على أجهزة بسيطة موجودة في منازلهم تعينهم في الكشف عن الحالة الجوية للطقس بشكل عام مثل جهاز قياس الضغط الجوي وسرعة الرياح ودرجة الحرارة ونسبة الرطوبة"، مضيفا أن تنوع تضاريس المملكة تؤكد الحاجة لأجهزة نوعية للكشف عن حالة الطقس، فأجواء المملكة متغيرة على مدار العام وتتأثر بالمرتفعات والمنخفضات والمساحات الشاسعة من الصحاري والمسطحات المائية في شرق وغرب المملكة، مما يجعل التحليل الجوي يتطلب كثيرا من الدقة للكشف عن حالة المناخ بكل تفاصيلها.

وأشار الشكري إلى أن بعض علماء الفلك يبالغون في تحليلاتهم اعتمادا على نماذج للأرصاد يابانية أو أميركية أو ألمانية أو روسية، ويتوقعون الحالة الجوية لمدة أسبوعين قادمين، وهو أمر يزيد نسبة الخطأ في توقعاتهم الجوية.