ثقافات الشعوب متعددة ومختلفة فمنها الثقافة الدينية والثقافة السياسية والثقافة الاجتماعية والثقافة التاريخية والجغرافية والصحية والثقافة الاقتصادية. وثقافات الشعوب مستمدة من التعليم ومن العادات والتقاليد، أو من الثقافة الإعلامية المُرسلة عبر وسائل الإعلام المتعددة.

وحيث إنني لست متخصصاً في غير الاقتصاد فسأركز اليوم على الثقافة الاقتصادية، وعلى وجه الخصوص اقتصاديات الأسرة والفرد، وما يدفعني إلى التركيز اليوم على الثقافة الاقتصادية لدى المجتمع السعودي بعض قراءاتي عن حجم القروض الشخصية التي حصل عليها أفراد الشعب السعودي، وهي قروض متعددة الأغراض والأحجام ومختلفة العقود والشروط، والقروض الشخصية وقروض الشركات والمؤسسات تدخل جميعها في سياسات التمويل للجهات الممولة بنوك أو شركات ومؤسسات وصناديق تمويل، والتمويل يعتبر أحد مكونات عجلة الاقتصاد وله فوائد عديدة والتوسع فيه له سلبيات عديدة، فالتمويل للقروض الإنتاجية فوائده على اقتصاد البلاد كبيرة حتى لو كان تمويلا شخصيا لشراء منتجات وطنية، فعوائد وفوائد هذا التمويل تعود على القطاعات الإنتاجية في بلادنا مثل تمويل منتجات المصانع الوطنية أو تمويل الشراء أو بناء مساكن تبنى من خلال شركات مقاولات وطنية أو بناء شخصي بمنتجات بناء وطنية، وكذلك تمويل المشاريع الصغيرة للأفراد مثل إنشاء الورش الصناعية أو الخدمات المساندة أو وسائط النقل وغيرها ومن أنواع التمويل الإيجابي مثل تمويل مشاريع المستشفيات والمراكز الصحية وتمويل المدارس والجامعات ومراكز التدريب والمشاريع السياحية، فمردودها جميعاً لمصلحة الوطن ومجتمعة، وعوائد التمويل تدور عادة في داخل الاقتصاد. وهذا النوع من التمويل نحن معه ونطالب بمضاعفته وتطويره وتخفيف شروطه.

أما التمويل الشخصي الاستهلاكي وغير الضروري فهو نوع من أنواع التمويل الأكثر فائدة للممولين وعلى وجه الخصوص البنوك التي تضمن حقوقها عن طريق تحويل مرتبات الموظفين لها وحسم قيمة القسط منها وبفوائد كبيرة ولسنوات طويلة، وهي في الغالب تمويل شراء السيارات والآثاث وبعض المستلزمات الكهربائية، بالإضافة إلى التمويل الأكبر عن طريق كروت الائتمان الشخصي، ويقال إن نسبة 60% من المواطنين يملكون بطاقات ائتمانية، ويقال إن في إجازات قبل رمضان صرف السعوديون حوالي 450 مليون ريال باستخدام البطاقات الائتمانية في دبي فقط، هذا بالإضافة إلى السياحة السعودية إلى بقية دول العالم. ويعاني بعض أصحاب الكروت الائتمانية من صعوبات في السداد لفواتيرهم الشهرية؛ حيث يقال إن حوالي مئة وعشرين ألف مشترك متعثر في السداد في القائمة السوداء، ويقال إن أكثر من 60% من الشعب السعودي مديون لبنوك ومؤسسات وشركات وصناديق تمويلية، وإن نسبة التعثر كبيرة وأن العديد من المديونين في السجون أو هاربون أو متعطلون. وهذا ما دفعني لأن أكتب مقالتي اليوم أطالب فيها أولاً المدارس والجامعات والأندية الأدبية وأطالب الإعلام بجميع وسائله لنشر ثقافة اقتصاد الفرد والأسرة والمجتمع، والعمل على تثقيف المجتمع بأخطار القروض الشخصية؛ إذا لا يستطيع دخل الفرد والأسرة سدادها. إن ثقافة مواءمة الدخل بالصرف هي ثقافة أساسية والالتزام بها واجب يمنع الوقوع في المحظور وهو السجن أو التوقيف وفي النهاية بيع الممتلكات والأصول. ورغم معرفتي بأن العديد من القروض هي لتغطية حاجة ماسة للفرد والأسرة إلا أنني أيضاً أعرف أن هناك العديد من القروض كمالية وترفيهية وليست ضرورية، وأعلم جيداً عن إغراءات الدائنين من بنوك وشركات تقسيط سيارات التي تسيل لعاب المواطنين.

فعلى سبيل المثال قروض السيارات بدون كفيل وبدون فوائد ولسنوات ولكنها بسعر عالٍ، ويخالفون قرار وزارة التجارة في استخدام الشيكات كضمان، وكذلك شركات السياحة وكروت الائتمان للسفر في الصيف والسداد بعد العودة. لقد وصلت عمولات بعض أقساط السيارات إلى إضافة 50 و75? من قيمة السيارة، وكذلك قروض بعض شركات التمويل لشراء المنازل والأراضي حتى بالتمويل الإسلامي.

إن قضية التقسيط أصبحت مؤشرا سلبيا وخطا أحمر على بعض من المقرضين والمقترضين، وأخشى أن يقع في هذا الفخ شرائح كبيرة من الشباب ومن الأسر السعودية، والسبب في ذلك هو الشركات والمؤسسات الإقراضية التي تتنافس في توريط المواطنين لتسويق منتجاتها ثم تلجأ إلى الجهات الرسمية في الدولة لضمان حقوقها، وأخشى من التوسع في القروض لغير ذوي القدرة في السداد لتكون النهاية السيئة. وفي وجهة نظري أن من يفرط في حقوقه المالية بالتوسع في الإقراض يتحمل هو النتيجة. وأحذر إخواني المواطنين من أن ينساقوا خلف العروض التي تسيل لعابهم تجاه التقسيط وهم لا يعلمون أنها مصيدة قد يقعون فيها، وأطالب الجهات المعنية بمراقبة البنوك ووزارة التجارة بضرورة وضع ضوابط على عقود التقسيط ورفع الإجحاف من عقود التقسيط ومراقبة نسب الفائدة التي تفرض من قبل بعض الشركات وعلى وجه الخصوص السيارات وتقسيط المنازل وكروت الائتمان وتجارة السلع الاستهلاكية. فإن عدم إحكام الرقابة على عقود التقسيط سوف يزيد من كم القضايا المعروضة على المحاكم والجهات الرسمية التنفيذية الأخرى؛ علماً بأن البنوك لم تعد تخشى أحكام الفوائد لأنها أدخلت الفائدة كجزء من القرض. كما أن على الجهات الممولة ألا تتوسع في منح القروض قبل التأكد من ملاءة المقترض وقدرته على السداد.