هي واحدة من عدة مقولات وقناعات ترسخت في أذهان عدد ليس بقليل منا، وصباح أمس في ممشاي شبه المعتاد مع جاري "أبو فيصل"، سمعت ذات العبارة منه ومن أخينا "أبو صالح" الذي شاركنا ممشانا، وكاد الأخير كما يقول العامة أن "يأكلني" يوم أن أدرك أنني لست ممن يوافق على هذه المقولة بإطلاق، كونها تسهم في تثبيط الهمم، وتوجد لغير الجادين وغير المخلصين عذرا كلما تم لومهم وانتقادهم.

"أبو صالح" سرد لنا أسماء أشخاص تولوا مناصب عليا، منهم عسكريون ومنهم مدنيون، بعضهم في المناطق وبعضهم في الوزارات، منهم من هو حي ومنهم من هو ميت، يزعم أنهم يوم أن أخلصوا واجتهدوا وبادروا كشفوا من حيث لا يقصدون حال من يماثلونهم في المناصب ممن لا يعملون، وبات حديث الناس عنهم وعن إنجازاتهم وبالا عليهم؛ لأن من لا يعملون ومن لا يخلصون لا يروق لهم هؤلاء، وبالتالي يتكاتفون إما لإقناع ذاك المخلص والمبادر بألا يتجاوز في عمله حدود المتعارف عليه، أو أن يسعوا بالتالي لـ"شيلته" كما يقول "أبو صالح" ليؤكدوا صحة نصيحتهم له، وليكون عبرة لمن يحاول أن يقدم عملا فيه خلاف ما يقوم به الأكثرية!.

طبعا "أبو صالح" استرسل في أمثلته، ووجد دعما لوجستيا من جاري "أبو فيصل" فالأول "يرفع" والثاني "يكبس"، واعتاد "أبو صالح" ألا يعطيني الفرصة للحديث؛ كي لا أفند ما يقول، ولكنه ربما تذكر أخيرا أنني كاتب صحفي، فرغب أن يسمع مني مباشرة أفضل من أن "أتولاه" في عمود صحفي، ولكنه لم يسلم فها أنا أسدد له من حيث لا يتوقع!.

أقول يوم أن سمح لي "أبو صالح" بالحديث سردت له ولـ"أبو فيصل" بالمقابل قصص مسؤولين، منهم من كان في وظيفة عادية، ولكن بجدهم وتميزهم وإخلاصهم صاروا في مناصب عليا، وأوردت أسماء محددة أصبحوا وزراء، لكن حالة عدم الرضا والغضب من بعض الخدمات وبعض جوانب المعيشة، وأحيانا لظروف تحيط بهذا أو ذاك تضغط على البعض، وتجعلهم لا يرون إلا ما يريدون، ويحاولون ألا يسمعوا حقا، وفي ظني أن هذا ليس من العدل.

لعل ما قاله "أبو صالح" صحيح في حالات محددة، وتمت في ظروف معينة ولأسباب قد تكون معلومة أو مجهولة لدى العامة، ولكنني على يقين أنه لا يوجد شخص سوي لا يسعد رئيسه بنجاحه، إذ إن نجاح هذا المعين يجير مباشرة لمن رشحه، وفي حال حدوث خلاف ذلك، فإنها تحسب في جانب ما شذ عن القاعدة.

ما وددت أن أقنع به أصحابي ومن يقرأ هذه السطور، هو أنه لا ينبغي أن نرسخ بعض المفاهيم الخاطئة، ونعززها في أذهان الناس استنادا لحالات محددة، وقعت في مرحلة محددة، فكل شيء يتغير وقابل للتغيير، ثم إن من يعمل ويبادر ويتميز حتى وإن ظلم أو "شالوه" كما يقول "أبو صالح" فسعيه مشكور وذكره محمود ولا ينبغي أن يكون مثالا وشاهدا مشجعا على عدم العمل والإخلاص، بل ينبغي أن يكون متخذ قرار إبعاده أيا كان مسماه الوظيفي ومنصبه هو محل النقد واللوم، لا ذاك المجتهد والمثابر والمخلص.