على مدى الأسابيع الأخيرة، تحول العصيان المدني إلى شبح يهدد مصر اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. ووجدت مؤسسات الدولة على اختلاف توجهاتها "مؤسسة الرئاسة، الحكومة، الجيش، الشرطة" نفسها في انتظار مجهول لا تعرف إلى أين تتجه بوصلته.

وبلغة الأرقام، فقد بلغ عدد المصانع التي أغلقت نحو 80 مصنعا في مجالات الملابس الجاهزة والصناعات المعدنية والصناعات الغذائية، بينما يبلغ عدد المنشآت التجارية التي شاركت في العصيان نحو 56 ألف منشأة، كما انضم عمال ترسانة بورسعيد البحرية التابعة لهيئة قناة السويس ببورفؤاد لحركة العصيان المدني في بورسعيد، والذي يصل عددهم إلى 12 ألف عامل، وأغلقت المنطقة الحرة للاستثمار، التي تضم 29 مصنعا للملابس الجاهزة، يعمل بها ما يقرب من 38 ألف عامل، وانضم أكثر من 20 ألفا من العاملين بالمنطقة الحرة العامة، وانخفضت معدلات السفن المتعاملة مع ميناء غرب بورسعيد من متوسط 10 سفن يوميا إلى 3 سفن فقط، وأصيبت المدينة بالشلل التام في مختلف أعمالها التجارية بعد أن أغلقت المحال أبوابها، كما توقفت حركة تجارة الباعة الجائلين.


شلل اقتصادي


ويقول نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية ورئيس غرفة بورسعيد محمد المصري، إن "العصيان المدني من أخطر الأشياء التي تضر بالاقتصاد المصري في ظل أن بورسعيد من أهم المناطق التجارية، ويوجد فيها عدد من المصانع، إضافة إلى أن مدينة بورسعيد تستحوذ على 14% من صادرات الملابس والمنسوجات المصرية للخارج، إذ إن إجمالي الصادرات المصرية من الملابس يصل إلى 5,1 مليارات دولار سنويا منها 500 مليون دولار لشركات موجودة في بورسعيد، فضلا عن أن بورسعيد تصدر نحو 100 مليون دولار سنويا إلى الولايات المتحدة الأميركية، والمصانع التي تم إغلاقها تخسر يوميا نحو 71 مليون دولار، مما يعود في النهاية بالخراب على المواطن المطحون الذي هو وحده من يدفع خسائر الاقتصاد من قوته اليومي".

وأشار المصري إلى أن "العصيان المدني أدى إلى توقف الحركة التجارية تماما بسبب غلق جميع المحلات التجارية، علاوة على توقف حركة العمل بالنقل بسبب العصيان المدني، خاصة وأن العمل بالموانئ والمنافذ الجمركية متوقف، وأن عملية تفريغ الشحنات الواردة لميناء بورسعيد متوقفة بنسبة 50%، الأمر الذي سيؤدي إلى تلف بعض تلك الواردات خاصة الغذائية منها، فضلا عن أن حجم التجارة المصرية التي تمر من خلال ميناء بورسعيد يقدر بـ 5,7 مليارات دولار سنويا، مما يعني أن نصيب الشهر الواحد من حجم هذه التجارة يقدر بنصف مليار دولار شهريا، وهو ما يعني أن هذا الرقم أصبح مهددا بسبب دعوات العصيان المدني".

وكشف رئيس المنطقة الحرة للاستثمار ببوسعيد حسام جبر‏، عن توقف العمل في ‏29‏ مصنعا خلال الأيام الماضية التي تلت الدعوة إلى العصيان المدني، مضيفا أن "المصانع ستطالب الحكومة بالتعويض المالي عن تلك المدة ؛لأن هناك مستثمرين أجانب لن يصمدوا أمام تلك الخسائر، مما يدفعهم للخروج من السوق المصرية ويؤثر على سمعتنا الخارجية‏".





"نتاج الأخونة"


ويقول سكرتير عام حزب الوفد فؤاد بدراوي، إن "العصيان المدني الذي انتشر في كثير من محافظات مصر لا يمكن معالجته أمنيا، ولكنه نتاج لعمليات الأخونة التي تتم في كل مؤسسات الدولة والاختراق الإخواني لكل المواقع الرسمية بطريقة يشعر بها المواطنون في الأقاليم"، معتبرا أن "مصر لا يمكن أن تستقر أمنيا دون إيقاف عمليات الأخونة التي لن تؤدي إلا إلى انتشار الفوضى في كل مكان".

ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ماجد محمد: إن "ما يحدث الآن من عصيان مدني في بورسعيد وامتداده إلى جارتيها الإسماعيلية والسويس وبعض المدن الأخرى في الدلتا والصعيد، هو مواصلة للتاريخ النضالي ضد السلطة الغاشمة". وأعتبر أن "الخطورة هنا في عدم فهم جماعة الإخوان لطبيعة هذا العصيان وأسبابه، لأنها لا تعمل على امتصاص غضب الناس، فيندفع الطرفان إلى الاشتباك والتقاتل، فتغرق البلاد من جديد في بحر من الدماء، وهو الأمر الذي قد يدفع الجيش إلى التدخل للسيطرة على الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد"،

وأكد أن "هذا السيناريو مطروح بقوة رصده كثير من السياسيين ووسائل الإعلام المحلية والعالمية في الفترة الأخيرة، خاصة بعد أن بادر الجيش نفسه إلى التنويه عنه والتحذير منه، وكانت أول إشارة لهذا التدخل في البيان الذي أصدره الجيش في الشهر الماضي، ودعا فيه القائد العام للقوات المسلحة الأحزاب السياسية المتصارعة إلى مائدة الحوار، محذرا من العواقب الوخيمة لهذا الصراع التي قد تؤدي إلى انهيار الدولة، وأعقب هذا التحذير عدة تصريحات لرئيس الأركان صدقي صبحي، الذي قال صراحة: إنه إذا احتاج شعب مصر الجيش فسيكون موجودا في الشارع في أقل من الثانية، وهو التصريح الذي أغضب الرئيس محمد مرسي، بينما دفع بعدد من النشطاء السياسيين إلى مطالبة الجيش بالتدخل لإنهاء الأزمة المتصاعدة في البلاد، بل إن البعض في بورسعيد تحديدا سارع بتحرير توكيلات في الشهر العقاري للفريق عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع لإدارة شؤون البلاد".

غاندي وزغلول


وقال ماجد: إن "الزعيم الهندي الراحل مهاتما غاندي وضع مبادئ عامة للعصيان المدني أهمها عدم التعامل بالعنف، وأن المقاوم للسلطة لا يجب أن يكون مشحونا بالغضب، وعليه أن يتحمل غضب معارضيه، بل وهجومهم دون مقاومة، وكما ناهض غاندي الإنجليز بالعصيان المدني في الهند، ناضل سعد زغلول الاحتلال البريطاني في مصر، فعقب اعتقال زعيم ثورة 1919 ورفاقه اشتعلت الثورة في بر مصر وانطلقت شرارتها الأولى من جامعة فؤاد الأول من بين أروقة الأزهر الشريف واتسع نطاق العصيان والاحتجاجات والتظاهرات، فأعلن عمال الترام والسكة الحديد إضرابهم العام، كما أضرب السائقون وعمال البريد والكهرباء والجمارك والمطابع والموانئ وغيرهم، وأعتقد أن مصر تسير اليوم على نفس الطريق".

إكراه وإجرام


في المقابل، أكد صبحي صالح عضو اللجنة التشريعية والدستور بمجلس الشورى والقيادي بحزب الحرية والعدالة، أن من يردد أن هناك عصيانا مدنيا في بعض المحافظات لايعرفون معنى العصيان المدني. وأضاف صالح، في تصريحات إلى "الوطن"، أن "هناك منشآت معطلة بالإكراه والإجرام وهذا أمر خطير للغاية والبعض يريد من ترديد لفظ العصيان المدني أن يرهب الآخرين ويخيفهم حتى لا تكتمل مؤسسات الدولة".


نزيف يومي


ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة الدكتور حمدي عبدالعظيم، أن "العصيان المدني له تأثير كبير على الاقتصاد القومي، خاصة أنه سار في مدن القناة، وهو الأمر الذي يهدد العمل في موانئ الشحن والتفريغ والمصالح الحكومية والمصانع، فضلا عن المنطقة الحرة التي أصيبت بشلل تام بمدينة بوسعيد".

ويضيف عبدالعظيم، في تصريحات إلى "الوطن" أن "خسائر العصيان المدني تقدر بنحو 400 مليون جنيه بالمحافظة الواحدة يوميا، وهو ما يعد نزيفا للاقتصاد القومي كلما طالت مدة العصيان، أي أن إجمالي الخسارة قد تصل إلى 4 مليارات جنيه في 10 أيام من العصيان بمدينة واحدة فقط، والعصيان من شأنه زيادة حدة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر- حاليا – خاصة أنه يجري بإحدى أكبر المدن الساحلية والتجارية، وهذا الوضع الاقتصادي السيئ جدا، سيكون له تأثير مباشر على اتفاقية قرض صندوق النقد الدولي، وقدرة الحكومة على التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن هذا الأمر، مما يعني أن الأمر خطير جدا، وينذر بأزمة كبيرة مرتقبة لحساسية الموقع الاستراتيجى لمدن القناة".


بدعة وغباء


في المقابل، يقول الدكتور محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، وعضو هيئة كبار العلماء، إن تطبيق فكرة العصيان المدني من الغباء السياسي، ومن سوء النيات والتقدير المناداة بتطبيق هذه الفكرة في المجتمع المصري أو أي مجتمع، ولنا أن نتصور تأثير ترك العمال والمهندسين والأطباء والقضاة لأعمالهم، والعصيان المدني بدعة خطيرة الأضرار على الأفراد والمجتمع والدولة وتحرمها نصوص الشريعة بسبب ما تلحقه من أضرار بالفرد والمجتمع والدولة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".

وتؤكد أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الدكتورة إلهام محمد شاهين، أن "الشرع أمر بالإصلاح وإعمار الأرض، وبالتالي فإن العصيان يعد تركا لأمر من أوامر الشرع؛ لأنه إفساد في الأرض، وعلى مؤسسات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، تفعيل القانون والدستور حتى لا تسقط الدولة".



ارتفاع عجز الموازنة إلى 147 مليارا

القاهرة: محمد عوض


كشفت وزارة المالية المصرية عن ارتفاع عجز الموازنة بنسبة كبيرة خلال 8 أشهر (بين شهري يوليو وفبراير) من العام المالي الجاري، ليصل إلى 147 مليار جنيه، في مقابل 94.7 مليارا في نفس الفترة من العام السابق عليه، بما نسبته 8.5 % من الناتج المحلي الإجمالي.

وقالت الوزارة في تقرير لها أمس، إن نسبة الدين المحلي لأجهزة الموازنة العامة ارتفعت لتصل إلى 72.8% من الناتج المحلي في نهاية ديسمبر 2012، لتسجل 1.2 تريليون جنيه، مقارنة بنحو 1.05 تريليون جنيه في نهاية ديسمبر من العام السابق عليه. وذكر التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي استمر في تحقيق معدلات نمو إيجابية خلال الربع الأول من العام المالي 2012-2013، مسجلاً معدل نمو قدره 2.6%، مقارنة بنحو 0.3 % فقط خلال نفس الربع من العام المالي السابق.

وأرجع التقرير هذا النمو بشكل أساسي إلى استمرار تنامي كل من الاستهلاك الخاص والعام اللذين تبلغ مساهمتهما نحو 2.3 % في نمو الناتج المحلي الحقيقي، إضافة إلى أثر فترة الأساس، وهو الأثر الناجم عن تدني معدلات الأداء في الفترة المرجعية، والذي بدأ في الربع الثالث من العام المالي 2010-2011. ولفت التقرير إلى أن إيرادات الدولة زادت بنسبة 3.9% خلال 8 أشهر، لتصل إلى 184.9 مليار جنيه، مقابل 178 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي، وذلك لارتفاع الإيرادات الضريبية بنسبة 16%، في حين سجلت الإيرادات غير الضريبية انخفاضا بنسبة 20 %.