الدول التي تطالبنا اليوم باحترام حقوق الإنسان، هي نفسها التي تعتدي على مبادئ هذه الحقوق بقوتها وجبروتها دون حسيب أو رقيب، وذلك لقناعتها بجهل (خبرائنا) بالمعاهدات الدولية وغيابهم عن الاتفاقيات الثنائية والجماعية. والدول التي تلاحقنا اليوم لمنح المرأة حقوقها، هي نفسها التي تسلب حقوق المرأة وتسيء لمكانتها وتشجع على ابتذالها، وذلك لبراعة هذه الدول في تسليط الضوء على عاداتنا وتسميم أفكارنا والإساءة لعقيدتنا دون منازع. والدول التي تتزعم اليوم اتفاقيات العولمة وتنادي بحرية التجارة واقتصاد السوق، هي نفس الدول التي تمارس مختلف السياسات المشوهة للتجارة وتتمادى بخرق اتفاقياتها وتعهداتها، وذلك لإيمانها بغياب (خبرائنا) عن مسرح الاتفاقات الدولية وتنازلنا عن مصالحنا الاقتصادية.
لعل من أهم أسباب تراجع قوة العالم العربي في العصر الحديث وضياع حقوقه وتهاوي أهدافه يعود لجهلنا التام بقواعد اللعبة الدولية المعقدة، التي أصبحت تعتمد اليوم على قدراتنا الذاتية في توجيه دفة العولمة لصالحنا بدلاً من الجري في ركابها معصومي الأعين، وتحديث معلوماتنا عن دول الغير بدلاً من استقائها مخلوطةً بالطيف الاستراتيجي لهذه الدول. فعندما تحتد المواجهات مع دولة ما، يصبح بإمكاننا كشف نقاط الضعف لدى هذه الدولة بدلاً من التباهي فقط بنقاط قوتنا، بل يصبح في مقدورنا كشف الستار عن استهتار هذه الدولة بقوانينها ومبادئها بدلاً من تفاخرنا باحترام قوانينا ومبادئنا.
قبل أيام أعلنت الوكالة الدولية "إنتر بريس سيرفيس" أن عدد السجناء في أميركا فقط وصل إلى 2.5 مليون سجين، ليعادل 25% من كافة سجناء العالم، إضافة إلى وجود 7 ملايين فرد تحت "الرقابة الإصلاحية" الأميركية. وأوضحت الوكالة أن 13 مليون شخص يقضون في المتوسط جانباً من حياتهم سنوياً في نظام الاحتجاز الأميركي الذي يشمل السجون المدنية والعسكرية وسجون الأحداث ومراكز الاعتقال الأميركية في الخارج. وفي كتابها الجديد بعنوان "الحبس الجماعي في عصر عمى الألوان"، أوضحت "ميشيل ألكسندر" أن عدد نزلاء السجون الأميركية تضاعف 5 مرات خلال 20 عاماً، لتفوق ميزانية رعايتهم 60 مليار دولار سنوياً.
في الأسبوع الماضي كشفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن وضع كافة المعتقلين في سجن "غوانتانامو"، الذين وصل عددهم إلى 166 سجينا، منهم 48 سجينا لم توجّه لهم تهمة إلى يومنا هذا ولم يخضعوا للمحاكمة بسبب عدم كفاية الأدلة ضدهم، رغماً عن مضي أكثر من 11 سنةً على اعتقالهم. (خبراء) حقوق الإنسان في عالمنا العربي قلما يعلمون أن معتقل "غوانتانامو" يعتبر سُلطة مطلقة لا تنطبق عليه قوانين حقوق الإنسان، وذلك لموقعه الجغرافي خارج الحدود الأميركية. ففي 23 فبراير 1903، وافقت "كوبا" على تأجير قاعدة "غوانتانامو" لأميركا مقابل 4085 دولارا أميركيا سنوياً، وكادت "كوبا" أن تلغي اتفاقها أثناء أزمة الصواريخ في أكتوبر عام 1968، إلا أن أميركا أصرت على حقها واستمرت في إيداع قيمة الإيجار سنوياً لصالح الحكومة الكوبية.
وكذلك (خبراء) مكافحة الإرهاب في وطننا العربي، الذين نادراً ما اطلعوا على معاهدة حقوق الإنسان التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، والمكونة من 30 مادة قانونية، والتي أكدت في ديباجتها على: "أن الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم". وأضافت الديباجة أنه: "لما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يصبو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الخوف والفاقة. ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم".
وهنالك (خبراء) حقوق المرأة والطفل في عالمنا العربي، الذين فشلوا في إنشاء مراكز البحث وتقصي الحقائق وحصر الوثائق عن الغير ليعيشوا معنا في ظلام دامس عن امتهان حقوق الإنسان والمرأة والطفل في العالم الآخر. هؤلاء (الخبراء) لم يطلعوا على بيانات الشرطة الفيدرالية الأميركية والبحث الجنائي الأوروبي الصادرة في نهاية العام الماضي، والتي أوضحت أن عدد حالات الإجهاض فاقت في أميركا 3 ملايين حالة وأوروبا مليوني حالة، 30% منها لنساء لم تتجاوز أعمارهن 20 عاماً. كما لم يطلعوا على الإحصائيات، التي أكدت أن نسبة الرجال الذين يعيشون على حساب النساء وصلت إلى 27% في أميركا و23% في أوروبا، وأن جرائم الاغتصاب لكل 10 آلاف امرأة ارتفعت إلى 312 حالة في أميركا و177 في أوروبا، 80% منها في المحيط الأسري، وأن العنف الأسري ضد النساء والأطفال وصل أوجه خلال الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها الدول الكبرى منذ أواخر عام 2008. ففي عام 2010 انتشرت حوادث العنف الزوجي بين 60% من العائلات الأميركية و53% من العائلات الأوروبية، لتتعرض 35% من نساء أميركا وأوروبا المتزوجات للضرب المبرح من قبل أزواجهن، ولترتفع هذه النسبة إلى 41% من النساء نتيجة العنف الجسدي من جهة الأمهات، و44% من جهة الآباء.
لا توجد في مختلف بقاع الأرض قوة توازي في مفعولها قوة معرفتنا الحقيقية ومعلوماتنا الواقعية وإحصائياتنا الدقيقة لنقاط ضعف الدول، التي تتشدق بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان والمرأة والطفل، لمواجهتها بالحجج الدامغة لدى مطالبتها لنا بتطبيق هذه المبادئ.