يتزايد حضور وسائل الإعلام ويتسع مداها في رصد كل ظواهر مجتمعنا المحلي، ومنها ظاهرة العنف الأسري التي أضحت مادة سبق صحفي وإعلامي لتخرج من كونها مجرد حوادث عابرة تظهر بين الفينة والأخرى، لتصبح من أشباه الظواهر التي تجتاح المجتمعات. ولكون مجتمعنا كان وما زال مجتمعا محافظا تحكمه العديد من العادات والتقاليد والأعراف أصبح كشف غموض كثير من شواهد هذه الظاهرة أمرا صعبا فضلا عن مناقشتها وتعاطيها كمشكلة اجتماعية ينبغي الوقوف عليها وتحليلها وتفكيك أبعادها النفسية والاجتماعية والجنائية.

إن مجتمعنا السعودي شأنه شأن أي مجتمع إنساني على هذه البسيطة، يحوي بين جنباته أناسا تختلف أنماط تفكيرهم وعيشهم ونفسياتهم باختلاف المؤثرات التي صاحبتهم في شتى مراحل حياتهم العمرية، لتلقي كل تلك الظروف بآثارها السلبية والإيجابية على تصرفاتهم، فمنهم من ينحو في حياته إلى أسلوب طبيعي يمكنه من التعايش مع الآخر بكل أريحية وصفاء ومودة، وبعضهم يكتسب سلوكيات عجيبة وغريبة يكون العنف والإيذاء أسوأ شواهدها على الإطلاق.. من هنا كانت الضرورة المجتمعية تحتم إنشاء تنظيمات ذات طابع مدني لرصد حالات العنف الأسري وضبطها عبر آليات محكمة ودقيقة لتبدأ في علاج حالات العنف بأنواعها المختلفة ومحاولة انتشال ضحاياها من واقعهم المرير وإعادتهم إلى حالة السواء الطبيعية التي تجعلهم يمارسون حياة طبيعية يتطلعون من خلالها إلى الأفضل، إلا أن هناك العديد من العقبات التي ما زالت تقف حجر عثرة في تطبيق أهداف هذه التنظيمات وهيئاتها المختلفة، ولعل من أهمها العرف الاجتماعي الذي يجعل من كشف كنه هذه التجاوزات الاجتماعية والإنسانية أمرا محرما، وذلك نتاج لإرث اجتماعي يضرب بأطناب مفاهيمه وصوره عبر الأزمان حارما الفرد، وخصوصا الأنثى، من الشكوى تجاه أي تجاوز داخل محيط الأسرة الصغيرة، يأتي بعد ذلك غياب التنسيق الفاعل والمثمر بين الجهات المعنية بمثل هذه التجاوزات لعدم وضوح كثير من المواد والتنظيمات التي تسوغ وتزيد من فاعلية عمل هذه الجهات. وقد تبرز الازدواجية بين هذه الجهات فتزيد الأمر ضبابية لتعطل الإجراءات الواجب اتخاذها وتحد من فاعليتها، لينعكس ذلك على المعنف ويصبح أسيرا لظلم الأسرة والمجتمع بسبب غياب التنسيق ووضوح الرؤية بين تلك الجهات.

ومع ذلك يظل المجتمع السعودي مجتمعا محافظا تتأصل فيه مبادئ العدل وحماية النفس وحفظ الحقوق.. وهذه الأمور أصلتها الشريعة الإسلامية الغراء وعضدتها أصالة المجتمع وتقارب أفراده، إلا أن البعد عن هذه الأمور يظل موجودا من خلال صور النشاز التي تظهر هنا أو هناك، وهذا يفرض على المجتمع والدولة ومؤسساته تضافر الجهود من أجل حماية أفراد المجتمع من كل أشكال التجاوز الجسدي والنفسي والتي تصنف كحالات عنف وايذاء.