لقد تألمت كثيرا وأنا أرى على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صورا لأطفال المتظاهرين في "ميدان رابعة العدوية" في مصر. إنه لأمر محزن ومزعج! أجسام صغيرة تغلف وجهها ابتسامة بريئة، بدلا من أن تُغطى بفستان مبهج أو بدلة جديدة بمناسبة عيد الفطر السعيد من أجل إدخال الفرحة والسرور في نفوس هؤلاء الأطفال، قرر معتصمو "رابعة العدوية" أن يقدموا أطفالهم قرابين لقياداتهم من أجل إرجاع سلطة زالت، وإلباسهم أكفانا بيضاء في محاولة منهم لاستثارة الرأي العام للتعاطف معهم، في مشهد قاس أقل ما يقال عنه بأنه انتهاك صارخ لحقوق الطفل.

لم تدرك جماعة الإخوان المسلمين أن هذه الممارسات تجاه الأطفال تتناقض مع اتفاقية حقوق الطفل الدولية والتي دخلت حيز التنفيذ في سبتمبر 1990؛ حيث رصدت الجمعيات الحقوقية المصرية عددا من مظاهر الاستغلال السياسي للأطفال في اعتصام رابعة العدوية، منها حمل الأطفال للافتات مدون عليها شعارات سياسية تم توزيعها عليهم من قبل منظمي الاعتصام وارتداء الأطفال "تي شيرتات" تحمل كتابات "مشروع شهيد"، واستخدامهم في التظاهر كدروع بشرية يتم الاحتماء بهم عند الهجوم على أي منشأة أمنية أو عسكرية.

وأكدت الجمعيات الحقوقية بأن الانتهاكات التي تحدث للأطفال المشاركين في الاعتصام تتعارض مع عدد من المبادئ التي نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل، ومنها "مصلحة الطفل الفضلى" و"حق الطفل الأصيل في الحياة" والواردان في المادة الثالثة والمادة السادسة من الاتفاقية. وأشارت أيضا إلى أن تلك الممارسات تتعارض مع مبدأ حماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرب أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال وإساءة المعاملة أو الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية، وذلك وفقا للمادة 16 من الاتفاقية.

لا أخفيكم بأنه تملكني غضب شديد في أثناء مشاهدتي لإحدى الفضائيات وهي تسأل طفلا في الخامسة من عمره عن سبب وجوده في الاعتصام فقال بكل براءة: عشان "محمد مرسي"، فسألته المذيعة: "مش خايف" فرد عليها: "لا لأني حروح الجنة". نعم.. هؤلاء الجماعة قاموا بغسل أدمغة الأطفال وخدعوهم بمقولة الشهادة وأنهم إلى الجنة ذاهبون، لعمري إنه اعتداء سافر على الطفولة وجريمة بحق الإنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى! والأدهى والأمر أن استغلال الأطفال لم يقف عند هذا الحد بل تجاوز ذلك ووصل إلى دور الأيتام التابعة للجماعة للزج بهم في المعركة واستخدامهم في تجميع الحجارة ضد الشرطة والجيش والشعب؛ حيث أشار "أحمد المصيلحى" المستشار القانوني للائتلاف المصري لحقوق الطفل إلى أن: "الائتلاف وردت له أنباء خطيرة عن استغلال الأيتام في دار "عبير الإسلام" الكائنة بشارع الطيران بمدينة نصر في الاعتصام؛ لذا طالبنا بفتح تحقيق فوري مع هذه الدار؛ للكشف عن صحة هذه المعلومات، واتخاذ إجراء احترازي موقت بنقل هؤلاء الأطفال إلى دار أخرى". وأضاف أن "ما يمارس ضد هؤلاء الأطفال بتوصيف الاتجار للبشر تصل عقوبته إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، أما عقوبة الاستغلال فتتراوح ما بين 5 و10 سنوات". المجلس القومي للطفولة والأمومة أدان استغلال الأطفال، وذلك بعد إلقاء القبض على أحد المدرسين وبصحبته 42 طفلاً، جمعهم من شبرا والجيزة، لنقلهم لمقر الاعتصام نظير وعده لهم بشراء ملابس جديدة للعيد. وأشار بيان المجلس إلى أن دور الإيواء التابعة للمجلس القومي كانت قد استعدت، لاستقبال 72 طفلاً، منهم 42 ذكورا و30 إناثا، تتراوح أعمارهم بين 5 و10 سنوات، وذلك لفتح ملفات صحية للأطفال، وإعادة تأهيلهم نتيجة ما حدث لهم من اضطرابات نفسية ومعنوية. وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قد ناشدت جميع المصريين والقوى السياسية عدم استخدام الأطفال لتحقيق أغراض سياسية، وأن تتم حمايتهم من أي أضرار.