عبدالله الغنام


أن تفقد الشعوب الأرواح في الحروب فهذا أمر قد يكون له مسوغات ومسببات، ولكن أن يستمر فقدان الأنفس البشرية بسبب حوادث مرورية، فأعتقد أن المسألة بحاجة إلى أكثر من عقوبات ونظام أوعى من ساهر، إننا بحاجة إلى حملة توعية شاملة ومستمرة للمجتمع وعلى كافة المستويات.

لقد فقدنا حسب آخر إحصائية نشرت في عام 2011 ما يقارب من 7150 نفسا بشرية بسبب الحوادث المرورية، وهو معدل مخيف، ويشعرك بأنك في حالة حرب في الطرقات، وتمثل نسبة الشباب من الوفيات 75 في المئة! وهو بمعدل 20 حالة وفاة في اليوم الواحد، ويعني ذلك أننا نفقد إنسانا في كل 72 دقيقة! فهل نحن في حالة حرب؟ نعم نحن نعيشها في كل يوم وساعة.

إن فئة الشباب هي الشريحة التي تمثل ما يقارب 60 ? من تعداد المملكة، وخسارة هذه الطاقة البشرية الهائلة في المجتمع يعتبر فاجعة بل هي كارثة، وإذا استمر الوضع بهذا السوء وبدون سيطرة، فإن الزمن كفيل بأن يوسع الهوة بين شرائح المجتمع العمرية.

إن هذه المعضلة الشائكة والمهمة لابد أن تكون على قائمة الأولويات من كافة الجهات في القطاع العام والخاص. فبالإضافة إلى الخسائر المادية والتي بلغت في عام 2011 ثلاثة عشر مليار ريال، سنويا بسبب حوادث المرور، فهناك خسائر إنتاجية للوطن قد ضاعت ولم تحسب بعد، وهناك جيل من شبابنا ينتحر أمام أعيننا.

لابد من تشخيص كامل ومدروس من كافة الجهات المسؤولة للمشكلة ومعرفة الأسباب. فقد نحتاج إلى حلول فورية قصيرة الأمد لتخفيف نزيف الأرواح، وأخرى طويلة الأمد لمعالجة أصل المشكلة من جذورها وذلك هو الأهم. إن بعض المشاكل الرئيسية تكمن في المفاهيم والقناعات والتي ينتج عنها السلوك الخاطئ.

لذلك غرس مفهوم السلامة هو ضرورة مُلحة يجب أن تعمم في المدارس والجامعات، ولكل الفئات العمرية بلا استثناء، إن زراعة مفاهيم السلامة المرورية في العقول الباطنة للأطفال والشباب ضرورة وليست فضيلة؛ لأن نفعها وضررها متعد للآخرين، وقد يستغرق بناء المفاهيم بعض الوقت، ولكن ستبقى آثاره ونفعه طويلا، أما أن نتعامل مع المسألة على أساس فعل وردة فعل - كما تعودنا - فلن يكون لها تأثير قوي، بل إن فعاليتها ستكون موقتة. إن ما تقوم به بعض القطاعات الحكومية من جهود هي مشكورة عليها، ولكن حين يكون الجهد والتعاون مشتركا بين كافة القطاعات العامة والخاصة سيكون تأثيره أعمق وأوسع انتشارا.

إضافة إلى ما سبق لابد أولا أن تصل التوعية المرورية إلى البيت والمدرسة والمسجد والعمل، وبشكل دؤوب ومستمر.

ثانيا كم نتمنى أن تعلن لنا نسب الحوادث والوفيات في 2012 مقارنة 2011، وأن يكون فيها تحسن مشجع يبين التأثير الإيجابي على أرض الواقع لنظام ساهر، وإلا فالحرب ما زالت قائمة في الطرقات.