قبل عشر سنوات تقريبا كانت تصلني على بريدي الإلكتروني رسائل من عراقي يقيم في أوروبا وقتها، يدعي فيها أنه شاعر وأنه يتزعم مجموعة تهتم بالأدباء العرب في المهجر. وطبعا، كل طلبه هو نشر أبيات ركيكة يرسلها وهو يعتقد أنها من عيون الشعر العربي، وإذا يئس من النشر، أرسل بيانا صحفيا باسم مجموعته "الوهمية" يوضح فيه "موقفهم" من قضية قرأ عنها هنا أو هناك، وخصوصا، القضايا التي تخص أدباء أو مثقفين عرب. المهم أن اللزمة الدائمة في تلك البيانات المضحكة التي لا تلتفت لها أي وسيلة إعلامية عربية، أنها تؤكد على أهمية "حرية الفكر وحق الإنسان في التعبير عن رأيه، وأن على الحكومات العربية أن تدرك أن الزمن تغير ولم يعد هناك ما يخبأ". مرت الأيام ونسيت هذا الاسم لعدم أهميته لا إبداعيا ولا فكريا. وفجأة وأنا أشاهد إحدى القنوات الإخبارية العربية الشهيرة، لمحت الاسم مكتوبا على الشاشة، وفوقه صورة ليست غريبة على ذاكرتي المعروفة بكثرة النسيان. وبعد تحقق واستعادة للاسم والصورة اكتشفت ما أصابني بالدهشة وقتها. إنه هو صاحب القصائد الركيكة وبيانات "الحرية" المضحكة، لكنه لم يعد ذلك "المتسول للنشر" لقد أصبح الآن أحد القياديين البارزين في حزب عراقي "طائفي" بامتياز بل ومن خلال تعريف المذيع به، اتضح أنه أصبح أحد المتحدثين شبه الرسميين باسم الحزب، وهذا حقه، لأنه استغل الفرصة التي أتته على ظهر دبابة أميركية مهدت له الطريق إلى أفخم قصور بغداد. لكن الأسوأ والمثير للاشمئزاز والسخرية، أنه هذا "الشاعر المبدع" وصاحب بيانات الحرية وحقوق الإنسان، تحول فجأة إلى أكبر داعية للتقسيم الطائفي وإقصاء كل من له رأي في "الحاكم بأمر بغداد" ، ونسي وتناسى كل عباراته المتوددة، وبياناته "الحقوقية"، وأصبح من أكثر متطرفي الحزب في الدعوة إلى قتل ونفي المختلف عنه طائفيا.

هذا نموذج واحد من عشرات النماذج العربية التي أسأت لمفهوم المثقف العربي صاحب المبدأ، الذي لا يغير قيمه الإنسانية التي تبقى دائما مدافعة عن الحقوق ومنصفة بعيدا عن أي تأثيرات أو مصالح.