"اختلف كثيرا عما كان عليه، لقد أصبح منشغلا دائما، كثير الترحال، وعندما يعود من سفره ألحظ عليه التعب، بل الوهن الشديد، فينطوي على نفسه، يفكر طويلا، شارد الذهن، بات لا يهتم بأطفاله كالسابق، جل ما يشغله هو تأمين مستقبل الأبناء، وعلى غير عادته كان شديد الحرص على الإفصاح عن الأرقام السرية لبطاقاته البنكية، يتحدث بحزن عميق، ويتحدث عن الأملاك، وأنه استطاع أن يؤمن لنا الحياة الكريمة، حتى جاء الوقت وعرفت الحقيقة، حيث وقعت عيني على إحدى الأوراق التي كان يخفيها عني، وفجعت بأنها تحمل بين طياتها تقريرا طبيا يصف حالته المرضية، وأدركت حينها أنه مصاب بمرض عضال، ويحاول إخفاءه عنّا نحن أسرته، حتى لا يوقعنا في غياهب الحزن".

هكذا بدأت "سعاد" شرح تفاصيل معاناتها، وهي تلوم زوجها على إخفاء مرضه عنها، وقالت: "طلب مني عدم إخبار الأبناء، فوافقت، وتعهدت له بذلك، ولكن هذا التغير الذي طرأ فجأة على حياته زاد في إرباكي، لاسيما وأنا أقرأ في أعين أبنائي الخمسة كما من التساؤلات التي لا أجد الإجابة عنها، ولن أنسى سؤال ابنتي الصغرى، التي طالما أغدق عليها من الحنان والدلال عن سبب تغير والدها، الأمر الذي جعلها في حالة نفسية صعبة، حتى مستواها الدراسي تأثر بتلك الحالة التي خيمت على الأب منبع العطف، وهي لا تزال في الصف الرابع الابتدائي".

بعض العائلات تفجع برحيل أحد أفرادها، والأكثر إيلاما هو أن يُكتشف بأن ذلك الشخص العزيز رحل متأثرا بمرض فضل أن يخفيه عن بقية أفراد الأسرة، حتى لا يسبب لهم الألم، ولم يكن ليعلم أنه يتسبب بهذا الصمت في أن تقع الأسرة بعذابات لا حصر لها، وقد يهون عليهم علمهم بالمرض بعضا من وجع الفقد.

وتابعت سعاد بحزن: "الأولاد يدركون أن شيئاً ما ليس على ما يرام، ويشعرون بالقلق الذي أشعر به بسبب التغير الذي طرأ فجأة على تصرفات والدهم الذي فضل إخفاء الأمر بدلا من المكاشفة التي قد تسبب لنا الآلام"

وعن كيفية معالجة ذلك قالت: "عندما اكتشفت صدفة مرض زوجي شعرت بالقلق والخوف عليه، وأصبت بحالة من الحزن، ولكن لم أتوقف عند هذا الحد، وصارحته بالأمر، وحرصت على انتقاء الكلمات التي ساهمت في التخفيف عنه، وتشجيعه على مواجهة الداء الذي تقدم الطب في معالجته، وبالتدريج تحسنت حالته النفسية، وعلل إخفاءه الخبر بالرأفة بنا نحن أسرته".

حول هذا الموضوع قالت أخصائية الإرشاد النفسي مريم العنزي "يجب على الإنسان أن يعلم أن إخفاء المرض عن بقية أفراد أسرته أمر مؤلم نفسيا، خاصة في حال كان مرضا عضالا، والألم النفسي ينحصر في كون الأسرة قد تعيش بقية حياتها محاصرة بتأنيب الذات، كونها لم تشاطر ذلك القريب حزنه وألمه.

وترى أن البوح بالمرض أمر ضروري وهام، وإخفاءه عن بقية أفراد الأسرة ـ رغم هدفه النبيل ـ يثير العديد من المشكلات في المستقبل.

وشددت الاختصاصية على أن يكون المريض أكثر حذراً عندما يقوم بعملية الإبلاغ، وأضافت: "يجب على المريض ألا يتجاهل ما يخالج أفراد الأسرة من هموم، ويمكن معالجة قلقهم بتقديم المعلومات الصحيحة عن المرض، وإمكانية علاجه مع تقدم الطب، كما إن المنشورات الخاصة بالداء أيا كان نوعه قد تسهم في التخفيف من معاناهم، وتحد من الضغوطات النفسية التي قد تعرقل مسيرة حياتهم".

وأكدت أن محاولة الشخص الاحتفاظ بمشكلته لنفسه، لن توفّر عليه القلق بل ستزيده، لذلك لابد من المصارحة خاصة للمقربين بالدرجة الأولى.