لم أكن أتوقع في ليلة مزدحمة مثل ليلة العيد، أن يجيب صاحب الفضيلة، معالي الشيخ عبداللطيف آل الشيخ، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على اتصالي عبر هاتفه الخاص، خصوصا وأنا أعلم أن هذا هو الاتصال الأول في ما بيننا لقصة طارئة أردت شرحها لمعاليه. والمبدأ، أنني على الدوام أفضل الحلول – البينية – لكثير من القصص ما بين المواطن وبين المسؤول لإيماني أن الحوار المباشر دائما ما يثمر ويعطي النتائج السريعة أفضل من الكتابة التي جرى في العرف – الخاطئ – أنها استفزاز ومحاولة للنقد ونشر البلبلة إلى أكبر قدر ممكن من الجمهور. ومرة أخرى، وقبل الخوض في تفاصيل المكالمة القصيرة مع صاحب الفضيلة، أود أن أشرح موقفي الشخصي مع جهاز الهيئة الموقر ونظرتي الشخصية إليه. فإضافة إلى إيماني العميق بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عامة وواجب إسلامي والتزام أخلاقي إنساني، فلربما لعبت ظروف حياتي، في زمنها ومكانها وأيضا في طقوسها، دورا كبيرا في النظر على الدوام بحيرة وتباين شديدين بين ما أسمعه وأقرؤه من القصص المتناثرة حول الهيئة وتصرفات بعض أفرادها وقصصهم الصارخة أحيانا مع بعض شرائح المجتمع. خذ مثالا، أنني لا أتذكر آخر مرة شاهدت فيها رجال الهيئة يؤدون عملهم في الميدان، لطبيعة حياتي لا لطبيعة مهمتهم. وفوق هذا ربما كان واقع حياتي حيث أعيش في مدينة محافظة أشك في أحيان كثيرة أنها ليست بحاجة جوهرية إلى مهام أفراد الهيئة حيث المجتمع المحلي محكوم أولاً بنزعته الفطرية المتدينة وأيضا بثوبه الاجتماعي، ثانيا، الكاسي بالأعراف والتقاليد التي تنظر للجنح جريمة اجتماعية لست بالمبالغ إن قلت إنه من بين المجتمعات القليلة التي يتساوى فيها مقياس الشرف مع مسطرة الدين. أكثر من هذا، وللإنصاف، فقد كان للصدفة وحدها، أن عرفت عسير على رأس جهاز الهيئة ولسنين طويلة واحدا من ألمع رجال الحسبة وأكثرهم رؤية وأناة وحلما وعقلا، وواحدا من أنبل الرجال في فهم مقاصد الإرشاد والتوجيه وأكثرهم تناغما وانسجاما مع طبيعة المجتمع في تفضيل الستر على العلن وتقدير محارم الناس وأعراضهم وقد عرفت جهازه (جارا) لسنين طويلة ووقفت معهم على بعض القصص التي أجزم تماما أن عسير بهم، وبرئيسهم شخصيا، قصة مختلفة في علاقة المجتمع مع جهازهم الموقر.
وعوداً على بدء، من حيث اتصالي القصير والأول بمعالي الرئيس العام: شرحت لمعاليه كامل القصة الخبرية وكل هدفي هو رفع الظلم المحتمل عن شخص قد تثبت براءته أو على النقيض قد تثبت إدانته مثلما قلت لمعاليه بالضبط. كان هدفي من الاتصال به رغم معرفتي ببعض إخواني في (الجهاز المحلي) أن يكون معاليه (ردما) علويا وحكما مستقلا لأن المكتب المحلي طرف في القضية التي شرحتها لمعاليه ولا أريد لصوتي أن يكون ضدهم وسيلة إرباك أو ضغط. أعطاني معاليه جهاز استقباله الخاص في منزله وطلب مني كتابة ما أعرفه عن القصة بالتفاصيل ثم قال لي بالحرف: (لعلك أخي علي، قد استمعت إلى وجهة نظر واحدة، ومن طرف واحد، وأنا من حيث الأساس سأنظر له على أنه على حق وأنه في حل وبراءة ولكنني على وعد لك بأن أقرأ للطرفين وألا يظلم فرد في هذه القضية ولا في غيرها حينما يتبين لي خيط الحق في أي قضية). وللحق، وذلك لمعاليه، لأنني وللأمانة مجرد ناقل للخبر ومجرد حامل لوجهة نظر مع إيماني أنني مستند إلى معلومات وحقائق صريحة في هذه القضية التي كان يمكن لي أن أحولها إلى قصة وطنية كبيرة مجلجلة لو أنني كتبتها وتجاهلت الاتصال بمعاليه.
أنهيت المكالمة مع صاحب الفضيلة مستلهما دروسا مختلفة ومؤثرة من هذه المكالمة القصيرة. أولها أن معاليه قد أعطى درسا لكل مسؤول في الصف الإداري الأعلى عن علاقة المسؤول بشرائح المجتمع وهو يتفاعل مع شخص لا يعرف هاتفه ثم يجيب بكل تواضع ومباشرة من الوهلة الأولى في الجملة الأولى للقضية. ثانيها درس لكل من في هذا الجهاز الموقر من الإخوة العاملين في الميدان بمن فيهم هؤلاء الأفراد (هنا) أطراف هذه القضية: قد تكسبون باللين أضعاف ما قد تكسبونه من الصلاحيات المتاحة.
انظروا للناس بعين الطهر والبراءة وظنوا فيهم نبتة الخير. انبذوا من ألقابكم مصطلح (الأسود) الذي يصبغكم به بعض دافعيكم إلى الأخطاء في حقوق الناس لأن (الأسد) صفة نشاز مع الطبيعة الإنسانية. اغسلوا عقولكم من الشحن الزائد لبعض من يصور لكم أن الهيئة في صراع مع الشر المستطير من حولها واعرفوا أنكم نخبة شرفها الله بالعمل المقدس في مجتمع مسلم به بياض الخير مثلما به أيضا قليل جدا جدا من الخطأ. شكراً صاحب الفضيلة.