تهنئة مكتوبة، تحمل مشاعر صادقة، لقيادة وشعب هذا الوطن العزيز علينا، وإذا كان المسلمون يتبادلون التهاني فرحة بقدوم عيد الفطر المبارك، فإنني أقدم التهنئة أولا لخادم الحرمين الشريفين، ولولي عهده الأمين، والنائب الثاني، ولأمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وللأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، وللأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة، ولرئيس الرئاسة العامة للحرمين الشريفين الدكتور عبدالرحمن السديس، ولمعالي الدكتور بندر حجار وزير الحج، على نجاحهم في وضع الخطط والاستعدادات العظيمة في خدمة المسلمين الصائمين سعودين ومقيمين ومعتمرين.

وما يدفعني لتسجيل هذه التهنئة ليس المديح أو التمنن على المسلمين، وإنما أعلم جيداً أن عامة المسلمين القادمين للحرمين لا يعلمون حجم العمل الجبار الذي تم الاستعداد له قبل شهر رمضان بشهور، وتم وضع الخط والإشراف على تنفيذها شخصياً من قبل أعلى القيادات، حيث إن هناك أكثر من مليون مصل في الحرم الشريف يومياً على مدار شهر رمضان، وأكثر من ثلاثة ملايين مصل في الحرم داخله وخارجه في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وهناك حوالي خمسة ملايين معتمر من خارج المملكة، وهناك الآلاف من ذوي الاحتياجات الخاصة ومن كبار السن قدموا لأداء العمرة والصلاة، وهم من ثقافات متعددة ومذاهب مختلفة يصعب التعامل معها أحيانا أو تصعب إدارتها.

إن من يعتقد أن إدارة وتنظيم والحفاظ على أمن وسلامة الملايين من المسلمين يومياً داخل وخارج المسجد الحرام أو المسجد النبوي عملية سهلة، يكون قد أجحف في حق القائمين عليها وفي حق المملكة كراعية للحرمين الشريفين، وما عمارة وتوسعة الحرمين الشريفين في عهد الملك عبدالله إلا أكبر دلالة على حجم الأعمال لخدمة المسلمين.

لقد دفعني الفضول في نهاية شهر رمضان للتعمق قليلاً في بعض الأرقام والإحصائيات الخاصة بخطة إمارة منطقة مكة المكرمة ووزارة الداخلية وبعض الأجهزة المعنية في شهر رمضان، فتفاجأت ببعض الأرقام الضخمة والمذهلة التي قدمت خدمات، وذلك بدون معرفة المسلمين، بها فعلى سبيل المثال هناك حوالي ستين ألف رجل أمن من كافة القطاعات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، وضعت خدماتها فقط لخدمة أمن وسلامة ومرور الصائمين والمعتمرين والمصلين داخل الحرم المكي، منهم ألف وخمسمئة فرد وضابط من الإدارة العامة للمرور، واثنا عشر ألف فرد من مدن التدريب التابعة للأمن العام، وستة عشر ألفا من ضباط وأفراد الدفاع المدني، بالإضافة إلى (2200) آلية ومعدة منها آليات متطورة جداً لحوادث الأبراج والمباني العالية بالإضافة إلى آليات مكافحة حوادث المواد الخطرة وحوادث الأنفاق. أما بالنسبة لتأمين إفطار الصائمين في الحرم، فقد تم تنظيم هذه المهمة التي كانت تقدم عشوائياً في الماضي وحصرها في أربع عشرة مؤسسة خيرية، يقوم بخدمتها داخل وحول الحرم حوالي خمسة آلاف وأربعمئة مشرف وعامل يقومون بوضع سفر الفطور وإزالتها بعد خمس دقائق من أذان المغرب، ونظافة مواقعها حالاً لتقام صلاة المغرب، ولتفادي ظاهرة نوى التمر، تم تأمين التمر بدون نوى، ويقدر حجم التمور المقدمة كل ليلة في رمضان بسبعين طنا إلى مئة طن في العشر الأخيرة من رمضان. ويصل متوسط حجم المخلفات يومياً إلى حوالي مئة وسبعين طنا إلى ثلاثمئة طن في العشر الأخيرة. وينظم شؤون المرأة المسلمة في الحرم قرابة الألف مرشدة.

هذه بعض الأرقام والإحصائيات المهمة، ولم أتعرض إلى حجم الإنفاق، وهي أرقام ضخمة ومتعددة يصعب سردها، وإنما أردت فقط أن أسرد بعضا من الإحصائيات، ليعرف المسلمون مواطنين وزوارا حجم العمل المنظم للحفاظ على أمن وسلامة المسلمين في الحرمين، ولا يمكن مقارنة إدارة وتنظيم هذه الحشود بأي حشود في أي مناسبة في العالم، فهو تنظيم يومي ويتعامل ـ كما أسلفت ـ مع ثقافات متعددة، وسط مكان محدود، ومطلوب منهم الالتزام بقواعد الفروض والسنن.

نعم، معظمنا لا يعلم عن هذا العمل العظيم الذي تقوم به الأجهزة المعنية في بلادنا، والحقيقة أرى أنه من الواجب رصد وتسجيل هذه الجهود والإعلام عنها محلياً ودولياً ليعرف العالم الإسلامي والمسلمون عن جهود المملكة لخدمة المسلمين.

ولن أتطرق إلى المشاريع العملاقة المساندة للحج والعمرة، سواء تطوير مطار الملك عبدالعزيز ومشروع قطار الحرمين وشبكة النقل في مكة المكرمة، وأخيراً المشروع الجديد لإنشاء مدن للحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وكما يقال إن ركاب الطائرة لا يعرفون من الرحلة سوى محطة السفر ومحطة القدوم، ولا يعلمون حجم الخدمات المساندة قبل إقلاع الطائرة وبعد هبوطها، فنحن لا نعلم عن العمرة والحج سوى واجباتها، ونغفل عن معرفة تلك الجهود الجبارة التي تبذل قبل وبعد لتسهيل أداء العمرة والحج. ولهذا فإن تهنئتي الصادقة هي للأمير خالد الفيصل، والأمير محمد بن نايف، ولجميع الأجهزة المعنية وأفرادهم، وعلى وجه الخصوص رجال الأمن الذين سهروا الليالي للحفاظ على أمن وسلامة المسلمين. وكم أنا فخور بهذا العمل العظيم الذي تقوم به المملكة العربية السعودية لخدمة المسلمين، وأردت تسجيل هذا قبل أن نضيع في فرحة العيد.