اللعب ما هو إلا نشاط إنساني فطري أو مكتسب، وهو بلا شك يمثل دورا مهما في تكوين الشخصية، وقد وصفه بعض العلماء بأنه ظاهرة سيكولوجية تسود كل الكائنات الحية. ومن هنا تبرز لنا أهمية اللعب للإنسان بوجه خاص. وقد تعددت تعريفات العلماء والفلاسفة لتعريف مصطلح اللعب، فيقول هربرت سبنسر: إن اللعب هو منفذ وخرج للطاقة الزائدة فيكون نتيجة لتخفيف التوتر. ويقول كارل غروس: أعتقد أن اللعب هو شكل من التحضير للحياة في سن الرشد. أما ستانلي هول فيقول: أعتقد أنه خلال حياة المرء يحدث تطور في حياته تبعا لسلم التطور كما تتطور معها كل الأساليب والطرق عند كل درجة من درجات التطور. أما كاثرين كارفي، فقد وضعت عدة بنود لتضع وتوضح خصائص اللعب بقولها:
"1- إن اللعب بشكل أساسي ممتع.
2- إن اللعب هو نشاط يقدم في ذاته ويكافئ نفسه.
3- اللعب تلقائي وعفوي.
4- يتطلب اللعب مشاركة فعالة من اللاعب.
5- يختلف اللعب عن الحياة الحقيقية الفعلية ولا يعني هذا أن قيمته تدرى من خلال قيمته الظاهرية".
ويقول أغلب الباحثين: "إن كلاًّ من هذه التعريفات غير كافية ومقنعة، ويعود ذلك ـ ربما ـ إلى أن اللعب قد يشمل مدى أوسع من النشاطات سواء من هز "الخشخيشة" إلى ارتداء ثياب الأم القديمة أو بناء نموذج أو شكل ما. وقد قمنا كتذكير بهذه الأهمية إلى محاولة تعريف الذكاء. وعلى كل حال، إن العجز في إيجاد تعريف واضح وشامل عن جانب معين من جوانب السلوك لا يدل بالضرورة على عدم أهميته أو إلى أنه غير جدير بالبحث".
وما يهمنا في هذا المجال هو اللعب وأهميته عند الأطفال لما في ذلك من أمور تتعلق ببناء الشخصية وأيضا في النمو البدني والذهني أيضا، ولما في ذلك من أهمية يجب أن يدركها الآباء والأمهات.
ففي مجتمعاتنا تعاني الأمهات من نشاط زائد لدى أطفالهن وقد يسبب ذلك إزعاجا مؤرقا لدى الآباء أيضا، وقد لا يدركون أن هذا النشاط الزائد ماهو إلا طاقة زائدة منحها الله - عز وجل - للطفل لكي يذكي بها خلايا جسد تتنهد بها خلاياه طلبا للارتقاء والشحذ، باعتباره وقودا ذهنيا وبدنيا مما قد يعجز عن تحقيقه. ولعلنا نتململ من لعب أطفالنا أو نتكاسل عن توفير المناخ العام للعب أطفالنا، وإذا ذهبنا بهم إلى أماكن اللعب اعتبرنا ذلك واجبا روتينيا سخيفا نتلهف شوقا إلى انتهاء موعده. ولعل ذلك يرجع إلى أن موضوع اللعب عند الطفل لم ينل ما يستحقه من الدراسات الجادة والبحث العلمي الدقيق ليصل الأمر إلى ثقافة عامة لدى الآباء والأمهات، وليدركوا مدى أهميته في تكوين رجل أو ابنة المستقبل.
ومن أهم ما يكسبه هذا النشاط الإنساني الفطري في مرحلة الطفولة هو أن الطفل يتعلم عن طريق اللعب الجمعي الضبط الذاتي، والتنظيم الذاتي تماشياً مع الجماعة، وتنسيق سلوكه مع الأدوار المتبادلة فيها. كما يقول أحد الباحثين: "إن اللعب مدخل أساسي لنمو الطفل عقلياً ومعرفياً وليس لنموه اجتماعياً وانفعالياً فقط، ففي اللعب يبدأ الطفل بمعرفة الأشياء وتصنيفها ويتعلم مفاهيمها ويعمم فيما بينها على أساس لغوي، وهنا يؤدي نشاط اللعب دوراً كبيراً في النمو اللغوي للطفل وفي تكوين مهارات الاتصال لديه".
ومن هنا كان علينا أن نتفهم مدارات اللعب وأهميته في بناء شخصيات أطفالنا وتكوينهم مستقبليا، وأهم ما في الأمر هو توسيع مدارك الطفل واتساع مخيلته، فالمتخيلة هي مخزون الإبداع والعطاء في حياة الرجل والتي من أهم مراحلها هي مرحلة الطفولة والتي لا نعطيها حقها، فيقال إن الرجل هو ابن الست سنوات! فكيف نخلق جيلا مبدعا ذا متخيلة عطاءة فعالة نشطة حين يكون شابا أو رجلا في ظل إهمالنا لأهمية هذا النشاط لدى أطفالنا ونتركهم يصرفون تلك الطاقة الهائلة في القفز هنا وهنا في تبدد هائل لتلك الطاقة المتوقدة للبناء الذهني؟ ومن أهم هذا النشاط هو اللعب التخيلي لما في ذلك من إثراء عنصر الخيال، وقد ربط فرويد بين اللعب وإثراء الخيال باعتبارهما يكشفان الشيء الكثير عن الحياة الداخلية للفرد ودوافعه.
تقول "سوزانا ميلر" وهي صاحبة كتاب "سيكولوجية اللعب": "إن كلا من النظريات السابقة تتعلق بمجموعة من المشكلات عن اللعب تختلف اختلافا طفيفا عن بعضها البعض، فنظرية فرويد تعني بالعلاقة بين اللعب التخيلي والانفعالي، أما بياجية فيتعامل مع اللعب باعتباره مظهرا للنمو العقلي. ونجد أن أصحاب الأنثربولوجيا يهتمون بالتطور والدلالة البيولوجية والسببية لهذا السلوك الذي يبدو أنه بدون هدف ولا يتعلق بشيء. بينما نجد أن أصحاب نظريات التعلم لم يكونوا ليهتموا باللعب إلا أنه يتضمن تعلما واستجابة". فكيف أننا نوفر لأبنائنا الملبس والمسكن والأغذية وكل وسائل الراحة ونهمل هذا النشاط المهم في حياة أطفالنا والمنوط بتكوين شخصياتهم ونمو أذهانهم وتوسيع مداركهم، مع العلم أننا لا نضع أيدينا على مجالات اللعب التي تذهب بالطفل إلى مراحل الإبداع في جل المجالات مستقبلا، فيقول الفيلسوف الألماني "شيللر": "إننا نجد اتجاها يحرم اللعب من دوره النشط المؤثر في عملية النمو، كما يحذف دور الظروف الاجتماعية والاقتصادية وإمكانية تأثير المحيط الإنساني في إثارة هذه الطاقة وتوظيفها وتوجيهها لصالح الإنسان".
فهل لنا أن ندرك أهمية دور هذا النشاط في تكوين أبناء الجيل القادم؟!