في صباح يوم عمل عادي من شهر مايو 2004، بمدينة الخبر شرق المملكة هاجمت عصابة مسلحة موظفي شركات نفطية تساهم في التنمية الاقتصادية التي يتمتع بها كل مواطن ومقيم بهذه البلاد، إضافة إلى قتل وجرح أبرياء في أحد المجمعات السكنية في مدينة الخبر.
حادثة الخبر هي امتداد لما حدث في بقيق ثم ينبع، أفرادها يطلقون على أنفسهم أنهم من "كتائب مكة"، كانت أولى ضحاياهم من دخل الإسلام في سنته الأولى فلبيني الجنسية، كان للتو قد عاد من الحج، فرحته بالإسلام لا توصف عندما يتحدث بها لزملائه، الضحية الأولى كان يخاطب المتهجمين "أنا مسلم الله أكبر"، إلا أنهم قتلوه بوحشية.
وروى حارس الأمن وشاهد العيان محمد المطر، في شهادة تلفزيونية لبرنامج "همومنا"، الذي بثه التلفزيون السعودي أمس، التفاصيل المتعلقة بالحادثة، مبينا أنها كانت في الساعة السابعة والنصف صباحا، إذ كان في مقر عمله في إحدى البوابات، مشيرا إلى مشاهدته لـ4 أشخاص يتناولون حقائب ويرتدون لباسا موحدا شبيها بالزي العسكري، إضافة إلى حملهم للأسلحة.
جنسيات متعددة
وأضاف محمد أنهم أقبلوا عليه وكان معهم راديو مشغلا على إذاعة القرآن الكريم، مبينا أنهم فتحوا الباب عليه، وركلوه مرددين "أنت تحمي الأميركان والنصارى واليهود"، مبينا أنه حارس أمن لمجمع شركات نفطية، يعمل فيها الكثير من الجنسيات، لافتا إلى أنهم قدموا قبل موعد الدوام المعتاد.
وبين محمد أنهم أشهروا عليه السلاح، وطلبوا منه التقدم لفتح البوابات، مشيرا أن البوابات كانت تفتح دون أي ضوابط أمنية، مضيفا أنه كان يردد بالقول: "أنا لا أحمي أحدا هذا عملي وأقوم به"، مستدركا أن المجمع كان يحتوي على 3 أو 4 شركات.
وأوضح محمد أنه تقدمهم إلى داخل الشركة، وكان في الاستقبال بعض الموظفين والمراجعين من جنسيات سعودية وعربية، إذ أصبحوا جميعهم رهائن لـ20 دقيقة، إذ كانوا ينتظرون حضور الأجانب إلى العمل، مبينا أنهم كانوا تحت التهديد، لافتا إلى أن هدفهم من الحضور هو قتل الأميركان.
وقال محمد: إن الخوف بدأ واضحا على أوجه الرهائن، إلا أن الإرهابيين قالوا: "لا تخافون نحن من كتائب مكة"، وتزامنت تطميناتهم للرهائن مع تحرك أحد الرهائن فلبيني الجنسية، كان قد دخل الإسلام قبل سنة، مبينا أن الفلبيني كان يخاطبهم ويقول: "أنا مسلم الله أكبر"، لم يلقوا لكلامه بالا وضربوه بالرصاص، وتم سحبه إلى دورات المياه "أكرمكم الله"، وضربوه برصاصة ثانية في البطن.
ووصف محمد الوضع بعد قتلهم لأولى الضحايا بالفوضوي، موضحا أنه استطاع الهرب عبر البوابة، مبينا أنه وبعد الهرب كان الإرهابيون قد صعدوا للطابق العلوي لمكاتب الشركات لقتل الأجانب، إذ إن القتل كان بالشكل، فمن تبدو عليه ملامح أجنبية فالقتل حليفه على حد قوله.
ولم ينج الأطفال من هذا الجرم، الطفل أسامة "أحد الضحايا"، وأوضح والده أنه في يوم السبت 29 مايو، وكان يستعد ليوم عمله إلا أنه فوجئ بأحد زملائه يطرق الباب ويحمل ابنه أسامة وكان عمره 5 سنوات، وعلى وجهه أثار حريق وكان في حالة يرثى لها، مشيرا إلى أن أسامة قضى معظم طفولته في المستشفيات، وكانت الحادثة قد أثرت عليه جسديا ونفسيا وعلى جميع أفراد العائلة.
أحد أفراد العصابة يصف الجرم ويقول: "اليوم قمنا باقتحام شركتي نفط، طبعا العملية تمت بنجاح، ما قتلنا أي أحد من المسلمين نهائيا، أما الكفار فقمنا بركلهم في شوارع الخبر، وأميركي أظنه مدير أحد أقسام الشركات، انتقلنا إلى المجمع الثاني واقتحمنا الشركة الثانية، وقتلنا فيها عددا كبيرا من الأميركان، ونحن على استعداد على أن نقاتل حتى لا يبقى منا أي شخص".
مطاردة
هذا المجاهر كان محاصرا من قوات الأمن، التي نجحت في إنهاء عملية الحصار، ثم قامت برصد ومطاردة العناصر الهاربة من الموقع باستخدام الطائرات المروحية واستخدام التقنيات كافة، التي ساهمت في الوصول إلى عناصر العصابة المسلحة كلها، ليتم التخطيط لتنفيذ القضاء عليهم حين تجمعهم في موقع واحد، إذ تم قتل العناصر المشاركة في هذه الجريمة، وجرائم أخرى في إحدى الاستراحات في مدينة الرياض، لتنهي بذلك الأجهزة الأمنية ملف إحدى العصابات المسلحة التي شكلت خطرا على أرواح الأبرياء ومقدرات الدولة.
بالعودة للطفل أسامة قال: "بعد أن تغيرت حياتي شوي، الآن أنا أشعر بفرق كبير، وحياتي عادية".
من جهته أوضح الدكتور إبراهيم الزبن، أستاذ علم الاجتماع والجريمة بجامعة الإمام محمد بن سعود، أنه عندما نأخذ هذه الحادثة على المستوى المجتمعي، فإن المجتمع ـ مهما كان لديه قدرة على حفظ للأحداث وللمواقف المؤثرة الكبيرة على المستوى المجتمعي ـ تصبح جزءا من تركيبة المجتمع، مبينا أن المجتمع عندما يؤرخ هذه الأحداث وتكون بالنسبة له ذكرى مؤلمة، فإنه يتحدث عنها بصورة يكسوها الحزن.
ويرى الدكتور خالد الشايع، الأمين العام المساعد للهيئة العالمية للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته، أن الطرح الإعلامي لمثل هذه القضايا هو إشراك للمجتمع في تصور أبعاد هذا الاتجاه، لافتا أنه لم ينته بحال، ولا بد من السعي إلى تجفيف منابعه قدر المستطاع، مستشهدا بهدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال في شأن المستأمنين: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة".
وأضاف الشايع، "المستأمن من دخلوا بلاد الإسلام بعهد وأمان وذمة"، مبينا أن الإرهابي الذي قال: "إننا لم نقتل مسلما"، يعكس أن هذا المنطلق هو جهاد بين المسلمين، جهاد بين الحرمين، جهاد بلا راية جهاد، بلا إذن من إمام الأمة، موضحا أن خارطة الطريق وخطة العمل والفكر الذي انطلقوا منه مصادم لكتاب الله تعالى ولسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
وبالعودة لمحمد الذي تغيب عن العمل لـ3 أيام بعد الحادثة للرعب الذي عاشه تلك اللحظات وهو أحد الرهائن، وكان زملاؤه السعوديون الذين يعملون معه قد استقالوا من العمل، وبين محمد أنه لا يروي هذه القصة إلا قليلا إذا طلب منه، كونها مؤلمة ملطخة بالدماء البريئة والمسلم الفلبيني الذي قتل أمامي وهو في ذمة المسلمين جميعا.
ووجه الدكتور إبراهيم سؤالا إلى محمد، لو تكررت الحادثة أمامك كيف ستكون ردة فعلك؟، قال محمد: "أول مرة صارت لي ما عندي خلفية عن الإرهاب أو أشاهد قتل أمامي، الحدث أشبه ما يكون بالحلم".
وأوضح الدكتور إبراهيم الزبن أستاذ علم الاجتماع والجريمة بجامعة الإمام محمد بن سعود، أن تأثيرات الإرهاب كبيرة جدا على النفس، ليست كالجرائم الأخرى.
"الانتحار الإيثاري"
وأضاف الزبن "الأشخاص الذين يشاركون في العمليات الإرهابية، لم يأتوا من فراغ، لا بد من وجود مجموعة من العوامل تحيط بهم، إلى أن وصلوا لهذه المرحلة، وهو ما يسمى بـ"الانتحار الإيثاري"، وهو يعني أن تقتل نفسك في سبيل فكرة، أو في سبيل جماعة، أو في سبيل شيء آخر، وهذا الانتحار لا يصل إليه الشخص إلا بعد مروره بمجموعة من العمليات، وتحيط به مجموعة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، كل هذه الظروف تصنع هذا الشخص. الإرهاب ليس عملا فرديا بل عمل جماعي وغالبه عمل دولي.
وأوضح محمد أنه وبعد أن استطاع الهرب واجه موظفا أميركيا كان في طريقه للشركة فحذره من الدخول بلغة الإشارة، إذ إنه لا يتحدث اللغة الإنجليزية، وبادر الأميركي بالهرب.
من جهته أضاف الدكتور خالد، "إنه وبإجماع المسلمين وبنص القرآن والسنة قضية الدماء قضية اتفقت جميع الشرائع على كليات من ضمنها عصمة الأنفس والأرواح، وأنه لا يجوز أن يقتل أحد إلا بما أذنت به الشريعة، وربنا جل وعلا في كتابه الكريم توعد القاتل وبين سوء العاقبة".