انقضى شهر رمضان المبارك، وتقبل الله من الجميع صيامهم وقيامهم، وبحلول عيد الفطر، تكتمل فرحة الصائمين، ويحتفي الناس ببعضهم، فهو يوم فرحة ومظهر من مظاهر تلاحم المجتمع تتمثل على أرض الواقع، ناهيك عن المعاني والقيم العظيمة – وما أكثرها – التي ترتبط بدلالات ذات أثر بعيد في حياة المسلمين.
ففي العيد إحساس برابط المودة والتعاطف والتعاون بين الناس بما يحقق للمجتمع أمنه واستقراره، فيشعر الإنسان بالانتماء إلى أسرة واحدة، وإلى إنسانية واحدة تحقيقاً لقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
ولهذه المعاني نجد لها أثراً واضحاً في مظاهر العيد في المجتمع السعودي، حيث يحرص الناس على صلة الرحم في اللقاءات العائلية أو مع الأصدقاء والجيران فيجتمعون فيما بينهم ويتواصلون ويتعاونون.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن مضمون العيد في الإسلام يتعلق في شكر الله - عزّ وجل - في أن وفق الإنسان في أداء عبادته وطاعته في صوم رمضان، فيشعر الإنسان بسعادة روحية ناهيك عن الآثار الإيجابية التي تركها الصيام في نفسية المسلم.
ويظهر معنى الفرح والسرور في العيد في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "أن أبا بكر دخل عليها ورسول الله عندها في أيام منى وعندها جاريتان، تغنيان وتضربان بدفين، فانتهرهما أبوبكر، فكشف عنه رسول الله عنه فقال: دعنا يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً وإن عيدنا هذا اليوم".
ومن مظاهر فرح الناس بالعيد، الحرص على لبس الثياب الجديدة، وتبادل الهدايا والحرص على البرامج السياحية والترفيهية في هذه الأيام كنمط اجتماعي وطابع خاص للأسر السعودية في هذه المناسبة السعيدة، فهناك علاقة طردية بين العيد والسياحة، حيث يزداد الطلب على الخدمات السياحية في هذه الفترة أكثر من غيرها من المواسم السياحية الأخرى، والشاهد على ذلك قيام الأمانات والبلديات في سباق مع الزمن، بتنظيم البرامج الترفيهية والفعاليات المتمثلة في العروض الفنية والتراثية والمسرحية وغيرها.
وبالرغم من الجهود التي تبذلها الأمانات في تنظيم هذه الفعاليات، إلا أنها لا تترقي إلى تطلعات الناس، وسنكتفي في هذه المقالة على مستوى التوضيح والتبيين لأسباب ذلك بعدة نقاط:
أولاً: عدم وجود مشاركة فاعلة للشركات والمؤسسات في تنظيم فعاليات العيد ولا أقصد بالمشاركة هنا تلك الشركات التي قد تتعاقد مع الأمانات من أجل تنظيم برامجها، وإنما أقصد بالتحديد قيام القطاع الخاص بصفة مستقلة بالاستثمار السياحي في العيد، بمعنى أن هناك شبه احتكار للسياحة من قبل الأمانات وهذا بالطبع له مردود سلبي على السياحة والاقتصاد معا.
ثانياً: وجود ازدحام شديد في فعاليات العيد، قد يصل في بعض الأحيان إلى حد التدافع بين الناس وخاصةً في العروض الفنية والمسرحية بالرغم من تواضع الأداء الفني لمثل هذه العروض.
ثالثاً: قلة ومحدودية الخيارات الترفيهية أمام المواطنين والمواطنات، بسبب قلة المعروض من الخدمات السياحية أمام التزايد الهائل في الطلب على هذه الخدمات وغياب المنافسة في القطاع الخاص، الأمر الذي أدّى إلى وجود استغلال لهذا الوضع من قبل البعض والمتمثل في رفع أسعار إيجار الاستراحات والمتنزهات والمنتجعات والمطاعم مع سوء الخدمة المقدمة.
لا شك بأن العوامل السابقة لها أثر سلبي على السياحة في العيد، وليس هذا فحسب فقد تقتل الفرحة في نفوس الناس، فليس هناك شيء ما يمتاز به العيد ولا توجد فعاليات تضيف إلى هذه المناسبة المرح والراحة، فأين يذهب الناس في العيد؟.
الازدحام والتدافع يعكر صفو البرامج الترفيهية فتعكر أمزجة الناس، فيحاول البعض قدر الإمكان الابتعاد عن مثل هذه الفعاليات والبرامج، أو يرغمون عليها لأجل أطفالهم الصغار، وعند ارتياد المطاعم يلاحظ ارتفاع الأسعار وغياب واضح لمظاهر العيد وكأنه يوم روتيني عادي مع سوء الطعام والخدمة، حتى المنتجعات والمتنزهات الخاصة فتتميز بسوء الصيانة والنظافة والتكرار مع ارتفاع فاحش في الأسعار.
وبالتالي أصبح المواطن أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن يذهب إلى فعاليات العيد التي تنظمها الأمانات، فلا يجد مكاناً له ولعائلته بسبب الازدحام كما لا تستحق المعاناة لحضور عروض فنية متواضعة الأداء، وإما أن يقضي يوماً في مطعم أو منتجع مرتفع الأسعار وسيء الخدمة.
لماذا لا تكون السياحة في العيد على أسس استثمارية واقتصادية؟، بحيث يتم تخفيف الضغط الشديد على الأمانات في الطلب على الخدمات الترفيهية والتخفيف أيضاً من الازدحام، وذلك من خلال مشاركة مؤسسات وشركات القطاع الخاص في هذا المجال، في ظل تأمين المنافسة الكاملة والعادلة منعاً للاحتكار واستغلال ظروف الناس في المناسبات والأعياد.
فعلى سبيل المثال، يمكن للمطاعم أن تقدم عروضا فنية تراثية (شعبية) لزبائنها خلال العيد، كما يمكن السماح للقطاع الخاص في تقديم عروض سينمائية ومسرحية وموسيقية بصفة مستقلة لجميع فئات المجتمع من الرجال والنساء والشباب والأطفال، ولرجال الأعمال والتجار أفكار ومشاريع متنوعة للاستثمار في قطاع السياحة لذا من الضروري توفير البيئة الاستثمارية وإعطاء الفرصة لهم.
هناك أسباب ثقافية ودينية واقتصادية لها علاقة مباشرة بضعف الاستثمار في القطاع السياحي عموماً، لا يسع المجال لبيانها أو الإشارة إليها، ولكن يمكن القول بأنه من الضروري إعادة النظر في منح التراخيص القانونية والنظامية للمستثمرين في المجال السياحي مثل السماح بتنظيم العروض المسرحية وإقامة دور العرض للسينما وإعطاء دور كامل للقطاع الخاص بتنظيم فعاليات العيد مع الأخذ في الاعتبار تفعيل نظام حماية المنافسة من قبل وزارة التجارة في هذا المجال، وتشجيع رجال الأعمال والتجار في تقديم دراسات جدوى اقتصادية ومشاريع سياحية كبرى في المملكة. وكل عام وأنتم بخير.