يسعد كل إنسان عندما يتم تناول ما يطرحه من آراء وأفكار للمناقشة وإبداء الرأي فيها بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها.. بل مطلوب التفاعل بين الآراء المطروحة خصوصاً ما يهم الشأن العام وما فيه مصلحة البلاد والعباد فالرأي الحصيف دائماً ما يكون نتيجة نقاشات موضوعية وعصف ذهني واع وغير منفعل أو متشنج وبعيد عن تناول الأشخاص بذواتهم.. هنا نثبت أننا مجتمع متحضر أفراده ينشدون الحقيقة ولا يحتكرون الصواب أو يدعون الحقيقة..

يرتكب البعض حماقات عندما يخلطون بين عرض الآراء واحتكار الصواب أو بين مناقشة القضية والتركيز عليها أو تناول الشخص الذي عرض الرأي ليكون النقاش الواعي في وادٍ والمتناقشون في وادٍ آخر.. ثم إننا يجب أن ندرك أن النقاش غير الموضوعي الذي يريد صاحبه أن يحتكر الصواب أو النقاش الذي يركز على الشخص لا على رأيه لن يؤدي إلى نتيجة.. يجب أن نفكر قليلاً لنعرف أن الحدة في النقاش وتناول الأشخاص يؤدي إلى البغضاء في الوقت الذي نريد نقاشاتنا أن تؤدي إلى نتائج نفيد ونستفيد منها وتحافظ على لحمتنا ومحبتنا وقرب بعضنا من بعض.. هناك من الأمثلة والتجارب الكثيرة التي نطير فيها في "العجة" مجرد قراءة العنوان أو أن ما عرض علينا من رؤى لا نتفق معها.. وبدلاً من أن نتناول تلك الآراء واحدة بعد الأخرى بالتحليل والتفنيد والمناقشة الواعية الهادفة التي نصل من خلالها إلى كلمة سواء، بدلاً من كل ذلك ننفعل ونبدأ بالهجوم لا على الآراء بل على الأشخاص.. ليس هذا فقط بل نقوم بتأليب الآخرين عليهم وتحريضهم والتشويه وقلب الحقائق وهذا ليس خطأ فحسب بل قد نقترف فيه ذنبا.. الرأي الآخر مطلوب والاختلاف في الرأي مشروع، لكن الاختلاف الذي نتحدث عنه الاختلاف الواعي.. يجب أن نعرف أن رسم السياسات وتحديد الأهداف يقتضي الحكمة والموضوعية وتحقيق المصالح للوطن والمواطنين ولا يجب أن تقر جزافاً.. ويجب أن نعرف أنه ليس كل من اختُلِف معه في الرأي أنه يجب أن تُحمل عليه العصا، ويجب أن نعرف أن على كل فرد منا مسؤولية تكريس مبدأ دولة القانون والنظام، وأن هناك قنوات عديدة لعرض الرأي وإيصال كل ما يريد من رسائل وآراء تهدف إلى التطوير بأساليب تخلو من التحريض.. التعبير عن الرأي وبأساليب وطرق حضارية نحافظ بها على علاقاتنا كأبناء وطن واحد، يهمنا جميعاً كل ما يكفل تطويره والحفاظ عليه أمر في غاية الأهمية... احترام الأنظمة واحترام السلطات أمر لا مساومة فيه، وقد نعبر عن أي رأي عن طريق مقالة نكتبها، أو كتاب نؤلفه ونعرضه في معارض الكتاب التي تعتبر مظهراً حضارياً لأي دولة أو مجتمع. وقد نكتب للسلطات مباشرة برأينا، وقد نلتقي بتلك السلطات مباشرة مهما علا مستواها، وهو أمر ممكن وقد نستخدم طرق التواصل الاجتماعي بحكم أن العالم اليوم يعيش عصر العولمة، لكننا يجب أن نأخذ في الاعتبار عدم الانسياق وراء تحريض هنا أو تأليب هناك مهما كانت عدالة مطالبنا لأن في ذلك إضرارا بلحمتنا والوقوف خلف قيادتنا في لحمة وطنية تعمل معاً يداً واحدة للبناء والتطوير، تقوم بإنجازات تكفل تقديم خدمات عالية المستوى في جميع مناحي التنمية، لتحقيق النجاح في عصر اقتصاد المعرفة والابتكارات والصناعات القائمة على اقتصاد المعرفة. إنه عصر فيه كثير من التحدي، وبعض ما نراه من ممارسات وتعاملات وفرض آراء يتعارض مع ما يتطلبه ذلك العصر. جهودنا يجب أن تصب جميعها في هذا المنحى، وأبناء الوطن الواحد يُفترض أن يصرفوا كل وقتهم في التفكير فيما يواجه أمم هذا العصر من تحديات. لدينا تحديات في التعليم، وتحديات في الصحة، وتحديات في الاقتصاد، وضياع وقتنا في ممارسات تدعو إلى الفرقة والتنابذ والإقصاء؛ فيه ظلم على بلادنا ومجتمعنا الذي ينتظر منا جميعاً العمل على مواجهة تلك التحديات.

يجب أن نبتعد عن مفهوم "أختلف معك في الرأي إذاً أنا ضدك" ونقترب من "رأيك خطأ يحتمل الصواب، ورأيي صواب يحتمل الخطأ"، وننتهج الأساليب الحضارية ضمن النظام وضمن القانون، لأخذ جزئيات الصواب من كل رأي، ونخرج برأي يمثلنا جميعاً، ويكرس لحمتنا ووحدتنا ومحبتنا. ونمضي معاً جميعاً نحو الحفاظ على مكتسباتنا ضمن مفهوم "اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية".

البعض منا لا يدرك خطورة ممارساته، ولا يدرك أين تؤول الأمور عندما يعمل بعضنا ضد بعض. أعتقد أننا كلنا في هذه البلاد فرداً فرداً نحرص على عقيدتنا ولا نريد لها بديلاً، والعاقل من يعرف أنه لا يجب أن يزايد أحدٌ على أحد في هذا الأمر.. والعاقل أيضاً، من يدرك أن تبني الوصاية بشكل فردي أو جماعي، واعتناق السلطة وتكريس الرأي الفردي، هو بالفعل خروج على النظام وعلى القانون ولا يخدم أي قضية، وفيه تفريق بين أبناء البلد الواحد، وخدمة للأعداء.

ليس هناك من يرى أنه لا توجد أخطاء، وليس هناك من يعتقد أنه لا توجد تجاوزات. الأخطاء والتجاوزات من طبيعة البشر. فالناس على وجه الأرض ليسوا ملائكة. لكن العاقلين يستثمرون أخطاءهم في الإنجاز والتطوير لا في التضاد والتفرقة. كل خطأ هو اكتشاف لطريق لا يؤدي إلى الحقيقة. نكتشف ذلك الطريق كثمرة من ثمار أخطائنا، ونبحث عن طريق آخر يؤدي بنا إلى الحقيقة التي ننشدها فنسلكه. هذا هو أسلوب الأمة المتحضرة، الأمة المتحابة المتكاتفة التي يحرص بعضها على بعض وعلى مجتمعهم ووطنهم. وأسلوب الأمة التي تخرب بيتها بأيديها هو عدم معرفة أين تؤدي بنا ممارساتنا..أمام كل أمة عمل عظيم، وطريق شاق وتحد كبير، لا يمكن أن تصل إليه إلا وهي تفكر بشكل حضاري أثناء الاختلاف وأثناء الاتفاق. وهي دعوة لنا جميعاً لأن نعيد التفكير في طريقة تفكيرنا، ولننتهج طريقة التفكير الحضاري التي يتطلبها عصرنا، حتى نتمكن من مواجهة التحدي الذي نعيشه. لنكن يداً واحدة محافظين على عقيدتنا ووطننا وأنفسنا، مواجهين متطلبات عصرنا بوعي كامل، وحصافة متناهية وصولاً ببلادنا إلى ما نبتغيه لها جميعا بإذن الله.. حفظ الله وطننا وأبناءه ووفق قيادته لما فيه الخير.