من يرصد أحاديث ملايين المصريين المناوئين لجماعة "الإخوان المسلمين" في مجالسهم الخاصة أو وسائل النقل العامة أو حتى على المقاهي، سيلمس ما يمكن وصفه بمشاعر "خيبة الأمل" بسبب حالة التشويش على ما يجري خلف الكواليس في مصر، وتحركات يكتنفها الغموض شارك فيها وزيرا خارجية الإمارات وقطر ونائب وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز، ومبعوث الاتحاد الأوروبي.

ووسط تدفق التسريبات وانتشار الشائعات عن "صفقة ما" تتبلور خلف الكواليس، وتصعيد لغة قادة الإخوان حتى إنهم لوحوا بتفجير منطقتي "رابعة" و"النهضة"، وأسر سكانهما إذا تم فض الاعتصامين بالقوة، وتحدثوا في بيان يحمل اسم "الله، الجماعة،المرشد" عن خطة جاءت في بيان لهم تقول: "إذا تم فض الاعتصام، فلن يكون لنا إلا أن نرفع راية الجهاد، وسنأخذ سكان هذه المناطق "كرهينة" لدينا حتى يعود الرئيس الشرعي محمد مرسي لمنصبه، ويحاكم السيسي بتهمة الخيانة، وسجن البرادعي وقادة جبهة الإنقاذ".

لكن هذه اللغة الدبلوماسية لا تجد قبولاً لدى حملة "تمرد" والقوى المناوئة للإخوان الذين رفضوا تمامًا ما وصفوه بالتراخي في التعامل مع الأزمة، وقبول هذا التدخل الفجّ في الشأن الداخلي المصري، وأكدوا في بيانات لهم أنهم يرفضون التنازل عن محاسبة قادة الإخوان الذين تلوثت أياديهم بدماء المصريين والمحرضين على العنف، ولوحوا بالنزول في مليونيات جديدة للضغط على السلطات برفض "الصفقة" المزعومة.

في زاوية أخرى من المشهد تواترت تكهنات مفادها أن الجيش والحكومة ربما يعرضان الإفراج عن بعض قادة الإخوان من السجون وفكّ تجميد أموالهم، ومنحهم ثلاث حقائب وزارية في محاولة لإنهاء الأزمة الراهنة.

مصادر أمنية وحكومية تحدثت معهم شخصيًا، لأخرج بنتائج أبرزها أن السلطات اتخذت بالفعل قرار فضّ الاعتصامات، لكنها تستنفد كافة الوسائل السياسية والدبلوماسية تحسبًا لحجم الضحايا الهائل الذي سيقدر بالآلاف، وأنها تتعمد فرض السّرية على ما يدور بالكواليس لاعتبارات تتعلق بالصالح العام، وأن حالة الاحتقان التي تسود أوساط معارضي الإخوان تُستخدم كورقة ضغط في التفاوض، وإبلاغ المجتمع الدولي رسالة مفادها أننا لن نلجأ لخيار الفضّ إلا بعد الوصول لطريق مسدود.

لم يخرج مسؤول رسمي ليكشف ما يجري من تفاهمات، وهو ما يؤجج مشاعر الغضب والترقب، لكن مسؤولاً أمنيًا صرح لي أنهم لن يُقدموا على العملية حتى انتهاء أيام عيد الفطر لاعتبارات يجب أن يتفهمها الناس، فسألته لماذا لا تعلنون هذا، فقال: نحن لا نصنع القرار بل ننفذه، وهناك مسار سياسي قد يُسفر عن نتائج تُريق الدماء، دعونا نتحلى بضبط النفس تحاشيًا لحملات التشويه الدولية المتوقعة".

لغة الشباب والثوار لا تقل خشونة عن لهجة قادة الجماعة، وسط أنباء عن "صفقة ما" للخروج الآمن للرئيس المعزول وعدم ملاحقة قادة الجماعة مقابل فضّ الاعتصامات، وهو ما يرفضه الطرفان، تتصاعد لهجة كليهما.

وخلال اجتماع للرئيس المؤقت ووزيري الدفاع والداخلية ومديري أجهزة المخابرات والأمن الوطني جرى إقرار الآلية التي سيجري فضّ الاعتصام بها، وستتدرج بفرض حصار محكم حول الاعتصامات، ثم مكاشفة الرأي العام باستنفاد كافة المحاولات السلمية التي عرضتها أجهزة الأمن على المعتصمين الذين يصرون على الرفض، وستكشف السلطات ما رصدته أجهزة المخابرات من تحصينات وسواتر أقامها المعتصمون إذ وضعوا كاميرات مراقبة وأكياس رمل وكتل خرسانية، مما يعني أنهم يتأهبون بالفعل لمواجهات مسلحة.

يحبس المصريون أنفاسهم، وتعتمل في صدورهم مشاعر متباينة وفقًا للخندق الذي ينتمي إليه هذا الشخص أو ذاك، لكن المؤكد أن مصر تنتظرها "لحظة فاصلة" ستسفر عن نتائج مأساوية، لهذا يناشد العقلاء السلطات وقادة الإخوان، بأن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه الوطن، والاعتراف بالواقع السياسي الجديد، والانخراط فيه، لبناء مؤسسات الدولة، والاحتكام لصناديق الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لكن لو وصل الأمر للمواجهات الدامية فسيتحمل القسط الأكبر منها قادة الجماعة التي ستتحول بعد ذلك من "كيان سياسي" لمجرد "عصابة إجرامية" تلجأ للتفجيرات والاغتيالات وتلاحقها أجهزة الأمن لندخل في موجة عنف ضارية، وهذا ما لا نتمناه في هذه الأيام المباركة.