لا شك أن لكل مجتمع أنماطا وهوايات تسيطر عليه، بل تتعدى إلى التأثير فيه بشكل كبير جدا، وهذا ما يحدث الآن بين أوساط الشباب والفتيات، عندما يجلس اثنان منهم أو مجموعة كبيرة على طاولة أو في مجلس، فإنك تجد أحدهم أو بعضهم يخرجون هواتف البلاك بيري ويبدؤون رحلة البحث والتصفح والرد على رسائل الماسنجر والمحادثات المتواصلة، دون إشعار الآخرين بأهميتهم أو بوجودهم وعدم الاكتراث بأحد!
ما يحدث في المناسبات العامة أو الخاصة يدعو إلى شيء من الخجل "فأصحاب البلاك بيري" لا يعيرون من يجلس بجوارهم نوعا من الاهتمام، وخلال انتظار مأدبة العشاء يومئ كل منهم على هاتفه حتى يتأكدوا أنهم لم يغفلوا عن رسالة نصية أو بريد إلكتروني أو رابط لخبر ما.
تصرفات "هواة البلاك بيري" كثيرة جدا، ولعل أشدها مرارة أن يشيح الواحد منهم بوجهه عندما تسترسل في الحديث معه، فمن من المعروف أن البلاك بيري بدأ في الانتشار قبل نحو سنتين، خاصة بعد ظهور الرئيس الأميركي "باراك أوباما" أثناء خروجه من البيت الأبيض حاملا في يده جهاز البلاك البيري، وتحول بذلك من هاتف إلى ثقافة جديدة سطحية وسريعة تعنى بالقشور دون فهم الأعماق والتفاصيل، فالمهم لدى البعض في هذا المجتمع سرعة انتشار الخبر دون البحث في أغوار مصداقيته مهما كانت، بل يشعرون بالوحدة حينما يكونون في مناسبة ما منطوين على ذواتهم ككائنات اجتماعية بالقرب من الجهاز الأسود الصغير!.
لقد أفقد هذا الجهاز بعضا إن لم يكن كل أدبيات الحياة والذوق العام وأساسيات التنشئة الإسلامية القويمة، وبات أكثر إدمانا، خاصة لفئات الشباب من الجنسين حتى تفشت لدينا "ثقافة" البلاك بيري، وأصبحنا نعتمد عليه في أوقات كثيرة وأصابنا كسل الحضارة الهشة العارية من مقومات الحقيقة.
إن جهاز البلاك بيري ليس سلبيا بحد ذاته، ولذلك من الأفضل عدم الإفراط المطلق في استخدامه، وتقنين ذلك في ظل ثراء المعلومات والأخبار السائدة وتخصيص أوقات محدودة دون الانطواء بمعيته ساعات طويلة.