باتت إقالة المدربين في الأندية السعودية ظاهرة هذا الموسم بعد أن استغنت إدارات 11 فريقا كرويا في دوري زين للمحترفين، عن مديريها الفنيين، تاركة علامة استفهام كبيرة حول صحة هذه القرارات ومدى ارتباطها بالاختيار السليم وبالتالي تأثيرها على اللاعبين.

ولم يتبق سوى مدربي ثلاثة أندية هي الفتح والشباب والفيصلي، وأبرزهم التونسي فتحي الجبال الذي اقترب من تحقيق اللقب للفتح للمرة الأولى في تاريخه، والبلجيكي ميشيل برودوم الذي لا يتوقع أقرب المتفائلين استمراره مع الشباب لتدهور علاقته مع اللاعبين، ومواطنه مارك بيرتس الذي تبدو إدارة الفيصلي مقتنعة بعمله على الرغم من سوء النتائج التي تعيدها للحظ.

وكانت أندية الهلال والنصر ونجران والشعلة وهجر والوحدة والاتفاق والاتحاد والرائد والتعاون وأخيرا الأهلي أنهت عقود مدربيها بعد هبوط مستويات الفرق وعدم تحقيق النتائج المرجوة في خطوة تراها تصحيحية للتغيير إلى الأفضل.


تكرار الخطأ


ويؤكد رئيس نادي الرائد فهد المطوع أن تغيير المدرب يمنح الفريق دفعة معنوية، وليس هناك رئيس يقيل المدرب إلا بعد أن يصل معه إلى طريق مسدود. ويقول: "بالنسبة إلى فريق الرائد، لم نتخذ القرار بإقالة المدرب التونسي عمار السويح إلا بعد أن نفد صبرنا من تكرار نفس الخطأ في كل مباراة. فقد عمدنا إلى تنبيه المدرب رغم إيماننا بقدراته واحترامنا الكامل له، لكنه لم يسع للاستفادة من هذا الخطأ وبقي يكرره في جميع المباريات مما اضطرنا إلى إلغاء عقده بود ورضا الطرفين. كان السويح يتقدم بالفريق على الخصم ثم يعمد إلى التراجع للمحافظة على النتيجة فيسلم الفريق الآخر المستوى والنتيجة ويخرج الرائد متعادلا أو مهزوما بعد أن كان فائزا بداية اللقاء، مع أنه كان يجب أن يعزز النتيجة، كما حدث أمام التعاون والشعلة ونجران والاتحاد، وظل المدرب متمسكا بطريقته فأجبرنا على فك الارتباط معه".

وعن اتهام رؤساء الأندية بعدم الصبر على المدربين، قال المطوع: "خلفنا يقف جمهور عريض يطالبنا بالنتائج الإيجابية ويشكل ضغطا علينا، وإذا كان هذا الجمهور محقا فلا بد أن نصغي إليه ونستجيب لندائه".





برنامج واضح


ويرى الخبير الفني خليل الزياني أن إقالة المدربين ليست صحية لاعتبارات عدة. ويقول: "يجب أن يحصل المدرب على فرصته ويدرس الدوري السعودي ويتعرف إلى مداخله ومخارجه ثم يتعود اللاعبون على طريقته. أما النادي فيجب أن يتوقف عند حد معين بمعنى لو تسلم هذا المدرب الفريق في معسكر خارجي مثلا ووفرت له الإدارة جميع عوامل النجاح وخاض مباريات تجريبية فلا بد أن يستقر على التشكيلة. أما إذا لم يثبت عليها وكانت النتائج سلبية فهنا يتحمل المدرب المسؤولية، لأن نتائج المعسكرات المكلفة هي البطولات. يجب أن يكون لدى المدرب برنامج واضح وأن يوظف اللاعبين كل في مركزه ويجري التغييرات الصحيحة. بعد ذلك يأتي دور اللاعبين بالتفاعل مع المدرب حتى لو كان مستواه أقل من المطلوب قليلا وعليهم مساندته. غير أنه إذا وصلت الإدارة إلى مرحلة لا تستطيع فيها الاستمرار فيمكن هنا أن تتخذ بحقه قرار الإقالة".


مسؤولية اللاعب


ويضيف الزياني: "اللاعب يتحمل مسؤولية في حال عدم تطوير مستواه الفني وعدم تطبيق الاحتراف، فمعظم اللاعبين السعوديين لا يزالون يمارسون الاحتراف بصورة سلبية (سهر وسوء تغذية وساعات تدريب قليلة) وهذه العوامل أعاقت عملهم من التقدم وانعكست على منتخبنا السعودي، فأصبح يصارع من أجل البقاء واللوم هنا ليس كله على المدرب".

ويتابع: "بصفة عامة، الإخفاق في عدد من المباريات لا يعني الاستغناء عن المدرب فكل ناد له إمكانياته المالية والإدارية والعناصرية والجماهيرية والاستعجال غير مسموح به. كما أن الإدارات نوعان: الأول، إدارات تبحث عن الاستقرار وبناء فريق للمستقبل، وهذه قلة، وللأسف نجد من يتربص بها ويسرق جهدها من خلال اللاعبين البارزين ووكلائهم الذين يتحينون الفرص للانتقال بهم إلى أندية أخرى للحصول على عوائد مالية كبيرة. والظروف تجبر هذه الإدارات على بيع عقود لاعبيها للاستمرار لأربع سنوات أو أكثر.

والثاني: هناك إدارات أصبح شراء اللاعب الجاهز بالنسبة لها هو الأسهل لهذا لا تعتني كثيرا بالفئات السنية، فالسيولة المتوافرة من الشركات الراعية يساء استثمارها. هناك أندية تبحث عن بطولات وقتية فلا تستمر لموسم أو موسمين، لذا تريد أن تحقق إنجازات سريعة لتضمن البقاء. وإذا لم تحقق أي نجاح فسيأتي غيرها من يستفيد من هذا الجهد، والتسابق هنا نحو إرضاء الجماهير والإعلام".

ويختم الزياني: "اليوم الاحتراف لم يستفد منه سوى اللاعب ومدير أعماله فقط، وهي ظاهرة ضد ارتقاء الكرة السعودية، ففي زمن الهواية كانت البطولات توزع على الأندية ولا يحتكرها ناد أو ناديان".

سلاح ذو حدين


ويعتبر المدرب الوطني علي كميخ أن الإقالات سلاح ذو حدين يلجأ إليها النادي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل تقديم دفعة معنوية، ولكنها قد تنعكس سلباً على الفريق في عدم عودته لوضعه الطبيعي كون هناك أسباب غير فنية في الغالب.

ويضرب كميخ مثلاً بنادي الاتحاد الذي أقال أكثر من مدرب في الفترة الأخيرة ولا زالت النتائج السلبية متكررة، ويقول: "إقالة المدربين ظاهرة غير صحية فهي تعتبر هدراً للأموال وإضعافاً للعمل الفني من خلال النتائج التي يلعب فيها الحظ دوره أحيانا. كما أن الخلافات الشرفية والإعلامية التي تحدث خارج الملعب تنعكس سلبا على المدرب الذي يكون "شماعة"، وهي بمثابة رسالة تصل للاعبين من الإدارة بأن أي نتائج سيئة تعني أن المدرب سيكون الضحية، فيما أن الجميع يجب أن يكونوا شركاء في العمل والنتيجة".

ويضيف: "يجب أن تختار الإدارة المدرب على أساس سليم مبني على معطيات الخبرة والتجربة والإمكانيات التي يتمتع بها المدير الفني. كما يجب أن تكون هناك رؤية واضحة من قبل النادي للمدرب القادم؛ بحيث تبين للاعبين والأجهز كافة أن الهدف واحد ولا بد أن نقاتل من أجله، لأنهم يختلفون كما هو جلي الآن فيما بينهم من بطولة لأخرى أو من لاعب لآخر، بل إن الصحيح أن يضع النادي أهدافا استراتيجية وأخرى غير استراتيجية للسير نحو تحقيقها أو معالجتها في حال عدم بلوغها".

ويتابع كميخ: "في السنوات الأخيرة أهدرت الأندية كثيراً من الأموال بسبب ذكاء المدربين الذين باتوا يضعون شروطا جزائية في العقود المبرمة مع الإدارات لضمان حقوقهم في حال وقع الظلم عليهم، وهذا يشكل عبئاً على خزينة الأندية، ولذا يجب احتواء موضوع إقالات المدربين ووضع آلية له على المدى البعيد، فقد بات مقصلة تعصف بأموال الأندية".


مطلوب استشاريون


ويطالب المدرب الوطني نايف العنزي رؤساء الأندية السعودية بالاستعانة باستشاريين فنيين لمساعدتهم على الاختيار الصحيح للمدير الفني للفريق؛ حيث إنهم لا يزالون يتعاملون مع سماسرة المدربين دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على المباريات التي خاضها هذا المدرب وطريقة لعبه وشخصيته. ويقول: "إذا ما تحدثنا عن الأندية الأوروبية خصوصا الألمانية منها نجد أن في كل ناد لجنة فنية مخولة في البحث عن المدرب المناسب لأسلوب الفريق من حيث قراءته للمباراة وطريقته وحتى انفعالاته وتعامله مع اللاعبين، وهذا غير موجود في المملكة، فيصبح الرئيس مثل من "يشتري السمك في الماء". ويتابع: "الجهاز الإداري في النادي لا يمكن أن يلعب هذا الدور على الإطلاق بل يحتاج إلى مدربين لديهم فهم في الأساليب الفنية. كما أن رؤساء الأندية التي تملك رعاة كالهلال والنصر والأهلي والاتحاد، يجب أن يحاسبوا على الهدر المالي الذي ينفق على المدربين الفاشلين نتيجة سوء قراراتهم في اختيارهم، فنحن نجد أن الرئيس يتخذ القرار قبل أن يعرف طريقة المدرب في اللعب، وهذا خطأ جسيم، بينما يفترض عليه أن يكون مطلعا بالأسلوب الذي سيتبعه المدرب في تدريب الفريق قبل التوقيع معه".


سلامة النتائج


ويؤكد العنزي أنه يجب أن يطلع الرؤساء على تجارب المدربين قبل التعاقد معهم، كما يجب على الشركات الراعية محاسبتهم على قراراتهم، فالمال يصرف خلال الموسم كيفما كان دون تقنين أو نوعية، فيما أن المطلوب هو عدم الإنفاق إلا بناء على أساس صحيح لضمان سلامة النتائج.

وحول أسباب الإقالات المتزايدة يقول: "قد تكون رغبة في امتصاص غضب الجماهير نتيجة سوء النتائج التي لم تتوافق مع عمل الإدارة. كما أن بعض المدربين يحتاجون إلى وقت في مرحلة البناء كما هو مطلوب من الاتحاد على سبيل المثال، حيث لن يفيد البقاء أو الرحيل بقدر ما هو مطلوب تغيير جلد الفريق بالزج بشباب النادي في هذا المرحلة. بالنسبة لمدرب الهلال السابق كومبواريه أرى أن اللاعبين كانوا شركاء في تردي المستويات ولا يلام وحده، فيما لم يكن لدى ماتورانا الطموح للتمسك به بعد أن أحدث نقلة جزئية لم يكن سيتجاوزها للأعلى، مستغرباً قرار النادي الأهلي بإقالة التشيكي ياروليم لأن الفريق قدم أفضل مستوياته منذ سنوات مع هذا المدرب الذي حقق له وصافة دوري زين للمحترفين للموسم الماضي وبلغ به نهائي البطولة الآسيوية وتوج معه بكأس خادم الحرمين الشريفين للأبطال".


صعوبة التوظيف


وأبدت إدارة نادي الفيصلي قناعتها بالمدرب البلجيكي مارك بيرتس وبإمكانياته الفنية، معتبرة أن الحظ الذي يلازمه هو السبب في تردي مستويات ونتائج "عنابي سدير" فقط.

ويقول مدير الاحتراف في النادي عبدالمحسن المعمر إن "تسرع إدارات الأندية في إقالة المدربين يسبب صدمة لكن البعض من الأندية يضطر إلى اتخاذ مثل هذه القرارات نتيجة حدوث خلافات بين المدرب والإدارة أو اللاعبين. كما أن سوء العمل التكتيكي أحد الأسباب الرئيسة التي تجبرها على الإقالة حيث يفشل البعض في حسن توظيف اللاعبين وفقا لإمكانياتهم الفنية". ويعتبر أن "كثرة الإقالات في الأندية السعودية ظاهرة غير صحية في ملاعب المملكة، والسبب يعود إلى فقدان الصبر سريعا، مع أن هناك أندية عالمية أبقت على مدربيها لمدة بلغت عشر سنوات أحيانا رغم عدم تحقيق بطولات عدة مع الفريق، كما حدث مع مدرب فريق آرسنال الإنجليزي، ولذا أرى أن الأسباب وراء الإقالة يجب أن تكون قوية".

ويقول المعمر: "شهد الدوري السعودي إقالة عدد من المدربين الجيدين بسبب ضعف الأدوات فكانت الإقالات إجحافا في حقهم، وأعتقد أن الثلاثة الباقين الآن في دوري زين للمحترفين- مدربو الفتح والشباب والفيصلي، الجبال وبرودوم وبيرتس- هم الأفضل حيث قدموا مستويات جيدة مع فرقهم بشهادة الجميع".