تنص المادة الـ 31 من النظام الأساسي للحكم على أن الدولة تعنى بالصحة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن. ولتنفيذ هذه المادة، فإن النظام الصحي السعودي ينص في مادتيه الرابعة والخامسة على أن الدولة مسؤولة عن تقديم خدمات الرعاية الصحية للمواطنين عن طريق وزارة الصحة. ولضمان تنفيذ مواد النظام الصحي السعودي الآنفة الذكر، فإن اللائحة التنفيذية للنظام الصحي تنص في فقرتها الرابعة على أن تعمل وزارة الصحة من خلال التنسيق والتعاون مع الجهات الرسمية والأهلية على أن تتوافر بصفة "مستمرة" وفي كل الأحوال الخدمات الصحية التي تقدم لفئات معرضة أكثر من غيرها للمخاطر الصحية. ,تنص الفقرة الرابعة أيضا على أن يضمن تنظيم وزارة الصحة للرعاية الصحية توافر خدمات توليد جيدة.

تعد الأنظمة واللوائح الصحية السابقة مجرد حبر على ورق، عندما لا تتم مراقبة منفذيها ومحاسبتهم، خاصة مع غياب تقنين الأحكام الشرعية الذي أطل برأسه البشع مجددا هذا الأسبوع وقدم إحدى الرضيعات قربانا لجبل جليدي من جرائم الإغفال الصحية.

وقعت وزارة الصحة هذا الأسبوع في خطأ تعاقب عليه القوانين الجنائية في الدول المختلفة حول العالم، وهو جرم إغفال التصرف أو عدم تأديته حسب ما هو منصوص عليه في القانون أو دستور الدولة. وبالمقارنة، فإن وزارة الصحة عرضة للمساءلة القانونية، إذ أخلت بواجبها المنصوص عليه في النظام الأساسي للحكم والنظام الصحي السعودي ولائحته التنفيذية.

فقد مواطن ومواطنة طفلتهما الرضيعة بعد 24 ساعة من ولادتها. قدمت فاطمة، يرحمها الله، لهذه الدنيا بعد محاولات إنجاب استمرت تسع سنوات، وماتت لعدم وجود حاضنة بعناية مركزة في جدة. قام والد فاطمة بواجب المواطنة وعرض وجعه أمام العالم أجمع، ليقدمها قربانا ودليلا على إغفال وزارة الصحة الخدمات الصحية الأساسية وعدم تأديتها كما يجب. وبموجبه فإن وزارة الصحة وقعت في خطأ الإغفال الذي نتج عنه مقتل رضيعة لم يكن لها ذنب سوى أنها ولدت لنظام صحي مضر ومتعثر ومفكك ومهترئ لم يستطع تنفيذيوه ضمان أساسيات خدمات التوليد.

هذا الإغفال لا يمكن لوزارة الصحة أن تتنصل منه، فهي على معرفة بتفكك النظام الصحي وعدم ترابطه، ولديها القدرة على منع هذا التفكك ومع ذلك لم تمنعه. أي أن وزارة الصحة حققت الشروط الثلاثة لاستيفاء الوقوع في "الإغفال"، فهي تعلم أنه لا يوجد نظام لربط الحاضنات في مستشفيات المناطق، ولديها القدرة على إيجاد هذا النظام وهي تقبع على رأس مجلس الخدمات الصحية، ومع ذلك لم تفعل شيئا لتغيير واقع مرير مفاده أن مهمة إيجاد سرير في إحدى الحاضنات تقتضي أن يجوب المواطن مستشفيات مدينته أو منطقته بتقرير وشفاعة.

من المفارقات المؤلمة أن تموت الرضيعة فاطمة لنظام صحي يديره تنفيذيون استشاريون في تخصصات الأطفال طبا وجراحة، ومن المفارقات أيضا أن تموت فاطمة بعد أشهر قليلة من تباهي وزارة الصحة بوسائل الإعلام بخفض معدلات وفيات الرضع بنسبة 50?، بل وتعزوه لتحسن الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين!

قام والد فاطمة ـ يرحمها الله ـ بتسطير أروع صور المواطنة بتقديم الأدلة النوعية على فشل أداء النظام الصحي، فالأدلة الكمية التي لا نعلم من أين تأتي بها وزارة الصحة تثير التعجب من فترة لأخرى لمخالفتها الواقع وهي بحاجة لمراجعة وتقييم بشفافية.

رحيل فاطمة، والعديد قبلها وبعدها، كشف خطورة النمط الإداري الحالي على صحة المواطن. وقع العديد من القائمين على تنفيذ النظام الصحي للمملكة في سلسلة من جرائم الإغفال الصحية التي سهل ارتكابها ضعف المراقبة الإدارية وانعدام القوانين والمحاكم الصحية وغياب المؤسسات الأهلية الصحية. رحيل فاطمة هو اختبار مواطنة وفحص لواقع الحقوق الصحية، فمن الصعب حقا أن يستوعب أب وأم مكلومان عجز 54 مليار الصحة عن إيجاد سرير وحاضنة.