كان المشهد مدهشا حقا وجديدا. فتيات يملأن محلات تجارية مصطفة تبيع ملابس نسائية في سوق تجاري كبير في جدة. المحلات كتب عليها: "للعائلات فقط"، وفعلاً لا يدخلها الرجال دون نساء، بما يضمن خصوصية المكان والزمان والأذهان.

اليوم، أستطيع أن أجزم أن من كان يقف موقف الضد والممانعة من قرار تأنيث المحال التجارية، سيرفع عقاله - إن كان يلبس واحدا - لهذا القرار وسيشعر بما تحقق من إنجاز، وإن كان منصفا أكثر سيشعر أن الأمور عادت إلى طبيعتها، فالمرأة صار بإمكانها أن تشتري ملابسها من امرأة مثلها. وفي مثل هذه الأيام التي تسبق عيد الفطر، تزدحم هذه المحلات بالنسوة، وربما لا يجد أبو البنات أو زوج "الست" له مكانا في المحل، فتجده يقف خارج المحل وهو يتأمل حجم المأساة التي كان يعيشها حين كان يشاهد ابنته أو امرأته وهي تقف أمام رجل مبتسم لتطلب مقاسها من اللانجري أو تصف له محيط الفستان.

القرار اليوم أصبح نافذا ولم يمت أحد، أو يتحول إلى شمبانزي، خصوصا في أسواق جدة - تلك المدينة التي تقود التغيير دوما - وصارت المحلات النسائية نسائية فعلا، ومن عاش التجربة يعرف تماما أهمية مثل هذا القرار، في توفير فرص وظيفية للنساء وإشراكهن في الحراك المجتمعي، خلافا لأهميته في حفظ الأعراض. هذا تحديدا هو جل ما يبحث عنه الإنسان المحافظ، لكن بعض محافظينا الجهابذة الذين وقفوا ضد القرار، ذهب بهم تفكيرهم إلى البعيد، فقد تناسوا نساءهم ونساءنا اللاتي كن يختلطن مع الرجال في المحلات، وهو ما كان يحدث، وفكروا في الرجال الذين (قد) يختلطون بالنساء البائعات، وهو ما لن يحدث، بحسب النظام أو شيمة العرب.