من أجمل الكتب "قصة الحضارة" لويل ديورانت المؤرخ الأمريكي، التي أمضى في تأليفها نصف قرن من حياته، عاش لها وعمر للثمانين برفقة زوجته إيريل التي ساعدته في ريف كاليفورنيا على هذا الإنجاز الهائل، الذي جند له عشرات الرحلات العلمية، وقراءة ربما خمسة آلاف مؤلف قبل أن يضع مجلدا واحدا من الـ 42 مجلدا من كتابه الموثق البديع.

وكانت فاتحة كتاباته قصة الفلسفة التي فتحت الطريق إلى قصة الحضارة وفيها استفاض شآبيب من المعرفة، في كشف الفصول المظلمة من التاريخ، وحياة القديسين والأنبياء والمصلحين، والحروب والثورات العارمة والانقلابات المخيفة، بحيث كتب سفرا ضخما يعجز الناس عن قراءته فضلا عن تأليفه، وفي كثير من الأحيان يختم فصوله شكرا لك أيها القاريء أن صبرت حتى النهاية؟

ثم اختتم سفر أعماله بكتاب صغير ثمين هو "دروس من التاريخ" تمت ترجمته أيضا للعربية بقلم علي شلش، وهو يتضمن 13 فصلا؛ مثل العرق والتاريخ، والتاريخ والشخصية، أو التاريخ والأخلاق، أو الدين أو الاقتصاد أو الاشتراكية أو الحكومة والحرب أو البيولوجيا والتاريخ، أو التاريخ والحرب، ويبدأ كتابه بألوان من الحيرة ويختتمه بفصلين عن التطور والتحلل وهل التقدم حقيقي؟

ومن أجمل الأفكار التي جاءت فيه تعريفه للثورة فقال: الثورات العنيفة لاتعيد توزيع الثروات بقدر تدميرها، وما الثورة الحقيقية إلا تنوير العقل، وما التحرر الحقيقي إلا تحرر الفرد، وما الثوريون الحقيقيون إلا الفلاسفة والقديسون.

ويتحدث عن بناء الدولة أنها قامت على العنف حتى فك الغرب السحر فقامت بالعدل وبالعدل نزلت وصانت، أما نحن فمازلنا جن سليمان في العذاب المهين؟

ويتحدث عن الحرية فيقول إن أول شرط لها تقييدها؟ فإذا جعلناها مطلقة لم يبق ثمة حرية؟ ولماتت من الفوضى؟

وحين يتحدث عن سلسلة الحكام العظام في روما يذكر بالطريقة الراشدية في انتخاب الناس وعدم توريثهم، فيروي عن سلسلة من هؤلاء انتظمت في سبحة من خمس حبات هم: نرفا وتراجان وهادريان وأنطونيوس بيوس وماركوس أوريليلوس الفيلسوف الذي جاء بعده ثور من البشر إنه كوموديوس.

ويقول عن الحكومات في التاريخ إنها في معظمها حكومات أقليات، وإن مهمة الأكثرية هي الإطاحة الدورية بالأقلية حين تفسد جدا واستبدالها بأقلية جديدة هي خير منها زكاة وأقرب رحما.

ويتحدث عن الديموقراطية الكاذبة من عصر أثينا فقال إن أهل أتيكا كانوا 315 ألفا منهم فقط 43 ألفا من الأحرار ينتخبون، ولا حق للنساء أو العمال والتجار فضلا عن العبيد في الانتخاب؟

ويذكر تفسير أفلاطون للتطور السياسي في حياة الأمم أنه تتابع من: الملكية ـ الأرستقراطية ـ ديموقراطية ـ ديكتاتورية؟؟ لتلف الدولة والدورة من جديد.

ويتحدث بشيء مدهش عن الحرية والمساواة أنهما عدوتان لدودتان دائمتان إذا سيطرت إحداهما انتهت وماتت الأخرى.

ويقول بصراحة إننا نولد ونموت جميعا غير أحرار وغير متساوين، باستثناء القبر ففيه الديموقراطية الصارمة، يلف فيه - أي القبر- الأمير والحقير والفقير بكفن واحد، بمساواة كاملة من قوانين طبيعية لاتتحيز ولا ترشى وليس عندها وساطة. يدفع الجسد إلى البلى والنخر.

والطبيعة لم تقرأ جيدا قانون إعلان حقوق الإنسان أو إعلان الاستقلال الأمريكي؛ فالطبيعة تحب الاختلاف.

وأما حديث المال فقال عنه إن أصحاب البنوك شاركوا في الحكم، وإنهم موَّلوا حملات البابوات، وأشعلوا الثورات وقلبوا الحكومات. ومن أسرارهم الخفية معرفة التاريخ أنه يميل إلى التضخم النقدي لذا كان آخر شيء يدِّخره الإنسان العاقل هو المال لأنه يتبخر ويأكله التضخم!!

إنه كتاب جدير بالقراءة أليس كذلك؟