تجربة يسافر فيها الشاعر"عبدالعزيز محيي الدين خوجة"، عبر فضاء لغة سلسة رسم صورته الشعرية مناجياً من خلالها الذات الربانيّة متوسلاً وطامعاً في عفوه، زاده في تجربته، الوصال والعشق لهذه الذات، مبيناً في قصائده التي جمعها، محبته لخالق الكون والفوز بأنوار ربانية للذات المعشوقة.

"سُبْحانَ مَنْ خَلَقَ القُُلوْبَ..

لِكَيْ تُؤانِسنا بآهْ

وتَذُوبُ مِنْ وَجْدٍ، على ألِفٍ ولامٍ...

ثُمَّ لامٍ ثُمَّ آه

سُبْحانَ رَبَّي في عُلاْه وفي سَناهْ

أسْرَى بقَلْبي مِنْ ثَراهُ إلى مَداهُ إلى رُؤاهْ

لكنَّني شَوْقٌ يَظَلُّ مُسافِراً

لا يَنْتهي أبَداً سُراهْ !"

يأخذنا الشاعر "عبر منولوجه الداخلي الذي يستعرض راويه سني عمره في بوح أقرب للمناجاة، أثناء فتح دفتر ذاته متوسلاً من الخالق اللطف، ولا ينسى الومضة في أبياته، إذ يسحب من القارئ البسمة دون أن يقوى على لجمها.

"أَوَّاه كَم تَحمِلُ السَّبعُون مِنْ زَلَلٍ ويَصفَحُ اللهُ عَن ذَنبٍ وإن عَظُما

ربَّاه إنِّي عَلَى الأبـــــوابِ مُلتَجئٌ مـالي سِوَاكَ تَقَبَّل عَبدَكَ الهَرِمِا

لَم يَبقَ في القَلبِ لا ليلى ولا رَغَدٌ أمَّا رَوانُ فما راعَت لَيَ الذِّمما"

ثم يختم قصيدته بالتوسل والتضرع إلى الله.

"

إنِّي أتيتك ياربَّــــــــــــــاه مِنْ ظُلَمٍ أَرْجُو بِنُوركَ أَنْ تُجْلي لي الظُّلما

إنِّي اعْترفْتُ فَهَبْ لِي منْكَ مِغْفِرِةً أنْتَ الحَليـــمُ عَلى مَنْ ضَلَّ أو أثِمَا"

تتراكض الحروف، تجتمع، تتحد مكوّنة حالة تصويرية مُعاشة لحالةِ وجدٍ أسَرَتهُ، التصق بها، لا يريد الانعتاق منها، أليست هذه الحالة هي التي تمده بالصور؟ وتُظْهِر لنا مكنوناته من خلال النص المرسل وتفكيك شفرته. كـ(إلى مَنْ أهْوَاه)

"يَكْفِيني أنَّكَ كَوْني

تَكْفِيني مِنْكَ الفِكْرَةْ

وأنا في حَقْلِكَ زَهْرَةْ

يَكْفِينْي منْكَ ولَو مَرَّةْ

تَأْتِيني... تَسْتَنْشِقُ عِطْري"

وفي نص (إلى عبدالله الجفري) اقتناص للغياب، واستنطاق للامرئي، في تصويره حالة فقد عزيز واصفاً وحشة الدرب، من خلال اعتماده على تحريك اللغة الساكنة، وبث الروح في ألفاظها من أجل تصوير حقيقة ما يجول بداخله، وبيان أثر الفقد.

"أَوَّاهُ يا غَيْبَ البقاءْ

أَوَّاهٌ يا هذا الَّذي في القَلْبِ

يُشْعَلُ كالحَرِيقْ

وبَحَثْتُ في الدَّرْبِ الخَواءْ

رَحَلُوا إليهِ أحِبَّتي

أيُّها الَموْتُ المعَرْبِدُ في الوَرَى

بَشَرٌ أنا..والعَيْنُ جافاها الكَرَى

ويكادُ يَفْضَحُني الأسَى

وأنا أُسَرْبِلُ لَوْعَتي

في ضِحْكَةٍ بَلْهاءَ يَخْنقها البكاء"

وفي نص (غُرْبَة):

يبدأ بوحه الذي أّرّقه في غربته، إذ يفرد مساحة لشوقه ووجده حتى تخاله يصور حبيبة له، ثم تغيّر قصيدته وجهتها ليقول إن عشق الوطن لا يدانيه عشق في الكون لأن الوطن ملاذ الروح.

"هَزَّكَ الشُّوْقُ يا طَرِيْدَ المَسارِ واسْتَباكَ الحَنينُ في الأسحارِ

أنا والجُرْحُ في اللَّيالي وَحِيْدٌ ونَزِيْفُ الظُّـنُوْنِ في أفْـكاري

إيْهِ يا (مَكَّةَ) الهُدَى للبَرايا وجُذُوْري في رَوْضِكِ المِعْطارِ"

ويصوّر بأسى حال الأمة وتفرّقها في نص (أُمَّتي).

أيُّ حــالٍ يا أُمَّتي نحنُ فيــــــهِ أيُّ وَحْلٍ طَما على الخُطواتِ

كيف صِرْنا ملْيُوْنَ ألْفِ فَرِيقٍ فأَضَعْناكِ في هَوَى النَّزَعاتِ؟

من يقرأ الديوان الواقع في 216 صفحة يلمس اشتغال الشاعر ما بين الكلاسيكية والتفعيلة، وبشكل متقن على الروحانيات، بتحليق في دمجه الخاص بالعام وتلازمهما، وكلا الاتجاهين سيّرهما الشاعر في خط واحد من حيث تناول المواضيع، دون إرباك في الصورة الشعرية لتخيّل المشهد والتفاعل معه كونه روياً واقعياً يؤكد في أغلب مضامينه على حب الوطن.

اللوحات الحروفية والمنفذة بخط الثلث على الغلاف وفي الصفحات الداخلية، إضافة لجمالية الصور التي رسمها الشاعر.