من مفارقات التجارة الدولية في عصر الربيع العربي أن السعر العالمي لكل طن من الفول المدمس يفوق اليوم سعر طن النفط الخام بأكثر من 28%، ومن عجائب الصحة العالمية في تأجيج الصراعات العلمية أن تأثير الفول المدمس اليوم على صحة الإنسان أثبت براءته من المعتقدات الشائعة والخاطئة التي طالما كانت تتهمه بالتسبب في كسل الشعوب العربية وخمولها وبلادة تفكيرها.
في الواقع يؤكد خبراء التغذية اليوم على أن الفول المدمس أصبح الطبق المفضل لدى شعوب الوطن العربي، لأن مكوناته تزيد من إنتاج هرمون السعادة "سيروتونين"، المسؤول الرئيس عن حالات السرور والبهجة والانشراح التي تحتاجها شعوبنا في هذه الحقبة العصيبة من حياتها.
نظراً لأهمية طبق الفول المدمس كوجبة أساسية وشعبية في وطننا العربي، كان من أهم شعارات ثورات دول الربيع العربي وعود حكوماتها بالتركيز على استراتيجية زراعة الفول البلدي في أراضيها ودعمها بكافة الوسائل لتحقيق اكتفائها الذاتي منه والحد من استيراده وتأهيله لدخول معترك التنمية الاقتصادية. إلا أن الفوضى الخلاقة التي انتابت أسواقها، أدت لتراجع إنتاج الفول العربي إلى ما دون مستوى 15% من احتياجاتنا وارتفاع أسعاره إلى أكثر من 130% خلال عام واحد. وفي ظل موجة الغلاء المستمرة التي تجتاح السلع الغذائية في الأسواق العربية، اضطرت دول الربيع العربي إلى التخلي عن مبادئها والتراجع عن استراتيجياتها من خلال فتح الباب على مصراعيه لاستيراد الفول، مما أدى لارتفاع وارداتها منه في العام الماضي إلى 250 ألف طن من أميركا و200 ألف طن من فرنسا و180 ألف طن من بريطانيا و110 آلاف طن من أستراليا.
جميع التقارير الدولية تؤكد على أن تخبط شعوب الربيع العربي أدى إلى تفاقم خسائرها الاقتصادية التي فاقت 800 مليار دولار في العام الجاري، لتعادل 10% من الناتج العربي الإجمالي السنوي، منها 120 ملياراً تمثل مجموعة من الخسائر المباشرة التي تمس جيوب الشعوب العربية الفقيرة لتزيدهم فقراً. وأضافت هذه التقارير أن عدد العاطلين عن العمل في الوطن العربي ارتفع في الشهر الماضي إلى 84 مليون نسمة، بزيادة قدرها 17 مليون عاطل لحقت بدول الربيع العربي فقط، لتبلغ نسبة البطالة 23% من عدد السكان ولتفوق أعلى المعدلات العالمية البالغة 14% فقط.
في مصر الكنانة فقد مليون مواطن وظائفهم خلال حكم الإخوان، وارتفعت ديون الحكومة المصرية بنسبة 13% لتفوق محصلتها النهائية خلال العام الجاري 45 مليار دولار أميركي، وذلك بسبب تعرض الاقتصاد المصري للانكماش للمرة الأولى من نوعه منذ 36 عاما. وفي تونس أعلن البنك المركزي أن معدلات البطالة ارتفعت بشكل غير مسبوق خلال عام 2012 بنسبة 18%، مقابل 13% في العام الذي يسبقه. أما ليبيا التي ما زالت تكافح من أجل التعافي من آثار ثورتها، فلقد ارتفع معدل البطالة بين مواطنيها من 22% قبل الثورة إلى 28% بعد الثورة، مما أدى إلى تدني استقرار أمنها الداخلي وخسائر استثماراتها وتفاقم مشاكلها وإلى تراجع توقعات نموها الاقتصادي المتواضع أصلاً، إلى أقل من 2%، وزيادة الفقر والبطالة بنسب غير مسبوقة.
بعد عامين من ثورات دول الربيع العربي وتمادي شعوبها في الاندفاع تجاه هاوية الفوضى الخلاقة، ارتفعت بينهم معدلات الجريمة بنسبة 200% وانحسرت صادراتهم بنسبة 52% وازداد تفاقم العجز في موازينهم التجارية بحوالى 60% في قطاع السلع و14% في قطاع الخدمات، وتبع ذلك إغلاق 33% من فنادقهم و24% من جامعاتهم و33% من مدارسهم و19% من مستشفياتهم. وفي القطاعات الإنتاجية، فلقد انخفض الإنتاج الصناعي في تونس بواقع 14% في العام الماضي، بينما فقدت السياحة 40% من مساهمتها خلال الشهرين الأولين من العام الجاري. وفي مصر، التي تلعب السياحة في اقتصادها دوراً مهماً، تراجعت مرتبتها العالمية كأفضل مقصد سياحي في العالم من المركز 18 قبل الثورة إلى المرتبة 65 في حكم الإخوان، وتراجعت معدلات الإشغال الفندقي إلى 14% فقط وانخفض عدد السياح خلال الشهر الجاري بنحو 81% مقارنة بشهر يوليو من عام 2012. كما أدى انخفاض تحويلات العاملين المصريين في الخارج بنسبة 22% نتيجة عودة 132 ألف عامل مصري من ليبيا، لتبدأ معاناة ميزان المدفوعات المصري بعجز يفوق 13 مليار دولار خلال العام الجاري. ويتوقع معهد التمويل الدولي أن يصل صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر خلال عام 2013، الذي يساهم بنحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 3 مليارات دولار فقط، ويمثل بذلك انخفاضاً بواقع 60% عن مستواه في العام السابق. وكانت هذه الاستثمارات قد سجلت 9 مليارات دولار في المتوسط سنويا خلال السنوات الخمس الأخيرة قبل الثورة.
أما في اليمن، الذي يقع ضمن الدول الفقيرة في العالم، حيث يعيش 51% من سكانه دون خط الفقر، فلقد أدت الثورة إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية بنسبة 86% وتناقص حجم احتياطاته النقدية إلى أقل من 51%، مع ازدياد نسبة حجم الدين العام إلى أكثر من 183% من ناتجه المحلي الإجمالي.
الدول العربية بحاجة ماسة للتركيز على استراتيجية محكمة لإنتاج واستيراد الفول المدمس بشكل أكبر وتوزيعه على شعوبها مجاناً لكي تعم البهجة والسعادة والانشراح بينهم في ظل المآسي المزمنة التي يمرون بها، خاصة وأن الفول أصبح اليوم أغلى سعراً من النفط.