قضيت بياض الأمس سابحاً في دراسة الدكتور علي الوردي (في طبيعة المجتمع العراقي)، وبالطبع، عين على صفحات هذا الكتاب المثير المدهش، وأخرى على إسقاطي للتوصيف والرصد، خيالاً، على طبيعة المجتمع السعودي. للأسف الشديد، فرغم مئات الكوادر الأكاديمية السعودية التي تعلمت أرقى ما يمكن وتخرجت من أعرق جامعات الدنيا، فلم أقرأ بعد مثل دراسة علي الوردي عن مجتمعه، ولا أيضاً دراسة شبيهة بدراسة جمال حمدان عن (شخصية مصر) التي أعتبرها ذروة التحليل الاجتماعي لأي مجتمع عربي في العصر الحديث.

كيف يمكن لباحث أو أكاديمي سعودي أن يقرأ طبيعة المجتمع السعودي في دراسة مقارنة؟ والجواب البسيط أن يبدأ أولاً بدراسة وقراءة وتحليل هاتين الأطروحتين فيما سبق بعاليه. تشخيص الأمراض الاجتماعية يبدأ عادة بالمقارنة والمقاربة. في دراسة جمال حمدان عن (شخصية مصر) يخلص الباحث إلى أنه أمام (شخصية) واحدة متوحدة حول المجرى المائي الشهير لأسطورة النيل التي كانت سبباً جوهرياً في توحيد الأنساق البنيوية لمكونات شعب. يرى أن (شخصية مصر) هي شخصية أمة متطابقة منسجمة في المركب الثلاثي الأهم في حياة أمة: السياسة مع الثقافي والمكون المجتمعي، لكن علي الوردي يخلص في توصيف مجتمعه إلى النقيض: المجتمع العراقي ضحية للجغرافيا مثلما كان أيضاً ضحية لتراكمات التاريخ. في الجغرافيا، كان المجتمع العراقي بحكم موقعه لا يشبه إلا ما قد أستطيع وصفه (محطة ترانزيت) جاءت إليها عشرات الأعراق لتصطدم بماكينة المجتمع (العالمثالثي) الذي يحول هذه (الفسيفساء) العرقية إلى حالة رفض وفرز بدلاً من أن تكون حالة بناء وقوة تنوع ونوع. العراق هو محطة تجارب لأديان الكون وشتى مذاهب الإسلام حتى اللحظة.

وعوداً على بدء، سيكشف باحث طبيعة المجتمع السعودي أنه أمام حالة ثالثة لا تشبه الحالتين المصرية والعراقية. مجتمع متوحد في العرق إلى حد نسبي هائل ولكنه بائن التنوع في أنساقه الثقافية بحكم طبيعة التوزيع الديموجرافي للسكان وللجغرافيا. هذا التكوين يجعل منه الحالة الأسهل لمكون الهوية، ومع هذا فهو الحالة (الأعقد الأصعب) لأسباب سأكتبها فيما بعد.