في ظل حالة الرفض المتبادلة بين جماعة "الإخوان المسلمين" ومن يصطف خلفها لكافة الإجراءات التي أطاحت بالرئيس المعزول محمد مرسي ونظامه من جهة، ومن الجهة الأخرى يرفض ملايين المصريين الذين نزلوا في 30 يونيو ثم عاودوا نزول الشوارع استجابة لمطالبة الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع تفويضه لمواجهة الإرهاب، فهؤلاء يضغطون من جانبهم على الجيش والشرطة والرئاسة عبر قنوات شتى، لفض اعتصامات الإخوان التي حولت القاهرة لأكبر ساحة للفوضى تنذر بالاقتتال الأهلي، وقد سمعت بأذني وقرأت في صحف وفضائيات مصرية أن هناك مواطنين يلوحون بالنزول لميادين الاعتصامات لفضها بأنفسهم.
وفي ظل سخونة المشهد تحدثت مع أحد كبار قادة وزارة الداخلية المصرية فوصف الأمر بالمأزق، فهم مكلفون رسميًا بفضّ الاعتصام، لكن التقديرات تشير إلى أن حجم الضحايا سيكون هائلاً، لهذا سيلتزمون سياسة ضبط النفس لأبعد مدى ممكن، ولن يلجأ جهاز الأمن لاستخدام القوة إلا في حالة الدفاع الشرعي، ويعني بذلك أن يبدأ المعتصمون باستخدام العنف، لكنه استدرك قائلاً إننا نتحرك ولدينا دعم شعبي وسند قانوني وغطاء سياسي، ومع ذلك فسنلتزم التدرج وفق خطط مدروسة، ولن نبادر للقوة حتى نهاية أيام عيد الفطر.
ليست وحدها النخبة المصرية التي تبدو منقسمة، فقد بلغ الأمر الاستقطاب داخل البيت الواحد، وأعرف حالات لأسر منها أخ يدعم الإخوان، وشقيقه يعارضهم، حتى أصبح الوالدان في ورطة وهما يشاهدان ابنيهما يرفض كل منهما حتى مشاركة شقيقه الطعام والكلام.
القراءة الهادئة للمشهد المأزوم تشير إلى أن الاعتصامات ستنفضّ عاجلاً أو آجلا، لكن بعدها ستظل مرارات بالنفوس، ويصبح مستقبل الإسلام السياسي ضبابيا، فهناك من يرون أن لجوءه للتحريض على العنف واستعراض القوة سيؤدي لسقوطه بسبب سلوكه العدواني الذي جعل قطاعات عريضة من الشعب المصري تنفر منه، بينما يرى آخرون أن هذا التيار ما زال يحظى بشعبية، وبوسعه العودة شريطة تصحيح أخطاء الماضي.
ثمة قراءة تضع بالاعتبار كافة الملامح للمشهد المصري المأزوم تشير إلى أن مستقبل التيار الإسلامي في مصر أصبح على المحكّ، وأن قادة هذا التيار يمتلكون تحديد مصيرهم، بقبول الوضع الجديد والتصالح مع القوى السياسية الأخرى، فقد وضعت جماعة الإخوان كافة التيارات الإسلامية في مأزق، وتعاني حالة ارتباك، ولعل أبلغ دليل على ذلك مواقف حزب "النور" المتأرجحة، ناهيك عن موقف الأزهر المؤيد للمسار السياسي الذي تمثله خارطة الطريق التي تمضي مدعومة بالأحزاب والقوى السياسية والحركات الشعبية باستثناء الإخوان.
ورغم خطاب قادة الإخوان المتفائل الذي يذهب في مكابرته لحد رفض أي حوار أو مبادرة وثقتهم في الانتصار على الجيش والأمن والقوى الشعبية والسياسية التي تتهم الجماعة بالتحريض على العنف وحمل السلاح والتصعيد، يبدو وضع الإخوان بائسا، وتمارس الانتحار السياسي، وتخسر الكثير من قواعدها الشعبية، وتعويلها على الاعتصامات والمسيرات يزعج الملايين الجالسين أمام شاشات الفضائيات وهم على وشك الانفجار مما يسمعونه من خطاب مستفز، ويرونها "معركة وطن" لن تخسرها القوى المعارضة للإخوان، متمثلة في المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والإعلامية، فضلاً عن شريحة لا يستهان بوزنها وهي الأقباط.
وأخيرًا فإن حلّ هذه الأزمة المستعصية يبدو بحاجة لإعلاء صوت الحكمة ومصالح البلاد والعباد، أما هذا الانقسام فلن يؤدي إلا لكارثة يعلم الله وحده مداها، فالمسار الذي أعلنه الفريق السيسي لن يتراجع عنه، والإخوان يرفضونه جملة وتفصيلاً، وكل المبادرات والوساطات باءت بالفشل، والساسة من الغرب والشرق يتوافدون على القاهرة دون جدوى، لتبقى كلمة النهاية ـ بعد مشيئة الله تعالى ـ لمن يستطيع الصمود والتحلي بضبط النفس وأدوات القوة أيضًا، فالدول لا تستقيم بالتراخي، لكنها أيضًا لا تنهض على دماء أبنائها، وهنا يكمن السؤال الكبير الذي لا أعرف له جوابا، وأرى أن الجميع لا يملكون رؤية واضحة، فهؤلاء وأولئك يؤكدون أنها مجرد "مسألة وقت"، فهل هي هكذا بالفعل؟