• هذا الشعور بمجانية الدم المراق شديد المضاضة، تضغط وطأته على الروح أكثر في رمضان. في سورية.. بينما الحرب في الداخل تحرز قذيفةً أو تخسر خطّة، فإن رقم القتلى هو الذي يتقدم فقط. ترى السوريين يستقبلون أول الصيام بتطاير أشلائهم، يخرج الواحد كما لو أنه لن يعود، وإن عاد فقد يرجع وقد التهمت شظيّةٌ عارضة شيئاً من جسده. تنعقد المجالس الدولية المرة بعد الأخرى، والرقم يزيد، وزراء الخارجية يتبادلون غضب الكلام والرقم يزيد. الجثث المحصودة وحدها تمضي قدماً. أما في مخيّمات اللجوء فرمضان يأتيهم وشروخ الحاجة والمهانة تتفاقم وتهرس كبرياءهم.. حيث يصير لكل معونة رغيفٍ أو شربة ماءٍ أو لحاف حكاية تقصم الظهر. تمدّ عائلةٌ يدها بحرقة، بينما تتناقل الصحف والشاشات تقارير عن بيع الأطفال وسماسرة الزيجات بالقاصرات وغير القاصرات.

• وهناك في مصر يدخل رمضان، ولا أحد يعرف كم زمناً يكفي لتبرأ القلوب والأعين من مرأى أولئك الشباب الذين قذف بهم مجرمٌ، مغسول العقل والضمير، من فوق خزان المياه، معتقداً في فعلته الانتصار للدين.. دين الحزب. كلّما أعادوا بثّ تلك اللقطة الوحشية تُغمض عيناك كأنك تهرب من سماع طقطقة عظامهم ورؤوسهم وهي تتشدّخ على سطحٍ صلب. تتساءل كيف يمكن للإنسان البسيط، ذلك الذي بالأمس يضحك ويبكي ويحب ويحنّ ويتألم ويؤمن، أن يصبح غولاً بلا أية رحمة في لحظة هياج الحشود تلك، تدفعه فكرةٌ مريضة عن الله والدين والناس. رمضان.. وفي التحرير ورابعة العدوية يحتشد الناس، والضغينة والبغضاء والوعد والوعيد تمضي قُدماً!.

• فلسطين، لبنان، العراق، سورية، مصر، اليمن، تونس، ليبيا، السودان، الصومال.. (قوّات النظام، سنة، شيعة، حزب، مقتل، استهداف، تفجير، عبوّة ناسفة، خراطيش ومولوتوف، ثوار، قاعدة، مسلحون، عناصر مجهولة، قنّاصة، اضطرابات، سقوط.. إلخ) والنشرات والمذيعون بوجوه معتادة وباردة يغيرون الرقم والإحصاءات وأسماء البلدان فقط، بينما الصياغات هي نفسها، لم تتغير من سنين كأنها دهر، الأخبار اللعينة هي نفسها والدم يكاد ينزّ من أطباق البث وأطراف الشاشات. نصف هذا الوطن العربي يحترق، لا تهدأ النار في طرف إلا ليعلو أوارها أكثر في طرفٍ آخر، نصف هذا الوطن العربي يحترق، ونصفه الآخر يترقّب بحذرٍ ويده على قلبه، أما إسرائيل وإيران فيدخل الرمضان تلو الرمضان وهما تمضيان قدماً!.