لأننا في عصر إفلاس القيم الأخلاقية، أصبحت المسافات بين قلوبنا أكبر من المسافات بين الكواكب، وكل يوم يزداد التجافي والبعد بين الأهل والأقارب.
لأننا في حضارة أريد لها أن تسمو دون إيمان، وحياة أريد للحظاتها أن تُعاش بعيدا عن القيم الأخلاقية، أصبحنا أسرى لفكر مادي لا يرى في البديل الروحي حلاً، ولا يقيم له وزناً. عنوانه الأبرز الركض... خلف المال الذي لا حدود لإشباعه، لأنه كالماء المالح...كلّما شربت منه ازددت عطشاً.
والنتيجة بعد الركض وتحريك التطلعات في النفس هي حالة تنزل على الإنسان، فيرى بيته قبيحاً ويرى زوجته دميمة، ويكتشف أن ما وهبه الله من النعم التي لا تعد ولا تحصى، لن تأتي بشيء يُذكر من تطلعاته. وتتحرك زوجته لتطارده بما ترى عند صُويحباتها من حُلي ومتاع، عندها يعتليه الهم...، فإن كان صاحب نشاط أطلقه الطمع من عقاله، ككلب صيد يطلب المال من أي طريق... وإن كان ضعيف الهمة، تحركت فيه نوازع الحقد والغل والجريمة، وتحركت يده لتسطو على كلّ ما تطوله.
إذا كان الإسلام قد أباح لنا اقتناء المال- بعد أداء حق الله فيه- فإنه أمرنا بأن نكون متوسطين في حبنا لهذا الاقتناء، حتى لا يشغلنا حبه عن طاعة الله، التي من شُغل عنها ظنّ أن حركة الحياة لا علة لها ولا هدف ولا غاية، مجرد أرحام تدفع وقبور تبلع.. وبين هاتين لهو ولعب، وزينة وتفاخر، ومتاع قريب من متاع الحيوان. ونَسِي جُثّة جده وأبيه اللتين حُمِلتا إلى القبر من قبل، وأنه سوف يلحق بهما لا محالة، لأنه لا يوجد بشر واحد خلد في الأرض.
إن الذين ملكوا الأموال سوف يتخلّون عنها رغم أنوفهم. فلا مالك لأي شيء سوى الله الذي أتى بهم عرايا لا يملكون شيئا، وسوف يعودون إليه عرايا لا يملكون شيئا إلا عملهم.
إن المـال ليس غـاية، بل هو وسيلة، وأنت أيها الراكض خلف المال، المنشغل به عن طاعـة الله، قد أعـرضتَ عن منهـج ربك وجعلتَ المـال غايتك، والمـال إنْ كان غايـة فما أتفـهها مـن غاية.