عباس بن فرناس مخترع أندلسي من أهل قرطبة، ظهر في عصر الخليفة عبدالرحمن الثاني بن الحكم في القرن التاسع الميلادي، فكان عالما وفيلسوفا ومهندسا، أول من استنبط صناعة الزجاج من السليكا، وصانع الميقاتة ساعة لقياس الوقت. اشتهر بأنه أول طيار اخترق الفضاء في العصور الوسطى، عندما غطى جسمه بالريش، ومد منه جناحين طار بهما مسافة ثم سقط فتأذى ظهره، وكانت نهايته.
تذكرت هذه المعلومات وأنا أطل من طائرة عملاقة تشق عنان السماء فتذكرت الأخوين رايت مخترعي الطائرة في العصر الحديث، والتي انتهت إلى هذا المستوى الفائق من التقنية في السلم والحرب، وتمنيت أن تكون محاولة ابن فرناس هي التي وصلت لهذه المرحلة، بدلا من أن يتحول سقوطه إلى قصة طريفة نتفكه بها ونتندر في المجالس، مصورين لأبنائنا أن ابن فرناس رجل معتوه غطى نفسه بالريش، ثم قفز من رأس جبل، فتطاير ريشه وهوى على الأرض، فدق عنقه، وباءت محاولته بالفشل الذريع. بينما لا نتعرض لمحاولات الأخوين التي تعثرت مرارا حتى انتهت للنجاح المذهل والانتصار العظيم، والسبب الذي أنهى محاولة ابن فرناس، ومد في محاولة الأخوين هو الثقافة التي تصنع مناخا يدفع للطموح والمغامرة أو للإحباط والفشل.
فكلما كانت محفزة للعقول ومحققة لنفع الإنسان استنهضت النبوغ، ودفعت للمغامرة، وكشف المجهول، وتلك هي ثقافة العلم التي توحد بين عقول البشر ومواهبهم دون تمييز أو تفريق؛ لأنها لغة العلم مهمتها في الأساس النفع البشري لا العنصري والطائفي، أما ثقافة النصوص فمهمتها الحشو والتكريس، وليس في الإمكان أحسن مما كان.