قبل نحو عام، أي في 14 سبتمبر 2012؛ أعلن الرئيس الفرنسي "فرانسو هولاند" أن محطة "فيسينهايم Fessenheim" للطاقة النووية سوف تقفل أبوابها، وبالتحديد نهاية عام 2016.. نعم بعد أربع سنوات كاملة!
طبعاً هذا القرار لم يكن وليد اللحظة، أو نتيجة ضغوط عابرة، ولكنه جاء نتيجة طبيعية لنقاشٍ واسع، تصاعد خلال السنوات الماضية عن أهمية المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة، وبالمقابل مدى خطورتها اللحظية على الحياة الإنسانية، ومنتجاتها من المخلفات الإشعاعية، لكنني هنا أتوقف ببساطة أمام المدة الزمنية التي حددها الرئيس الفرنسي لإغلاق المحطة، والتي لم تطرح هكذا فقط، بل كانت نتيجة دراسات علمية حددت التاريخ المتوقع لإنجاز المهمة، تؤكد على أن نجاح إنجاز أي مهمة لا يتوقف عند التخطيط لتنفيذها فقط، بل يشمل التخطيط للانتهاء منها، أو التخلص من مكوّناتها، حفاظاً على البيئة، وعلى مستقبل الأجيال القادمة.
وفي الحقيقة، أن المدة الزمنية لتفكيك المحطة تستغرق وقتاً أطول بكثير، حيث أشارت المصادر الفرنسية إلى أن ورشة عمل التفكيك سوف تستمر 18 عاماً متواصلة على الأقل! بداية من توقف المحطة، وتفريغ الوقود في ثلاث سنوات، ثم أولى مراحل التفكيك لمدة 8 سنوات، تشمل تفكيك الأقسام الملحقة وسحب الكوابل الكهربائية، وثم تفكيك قلب المفاعل النووي، ثم سنوات أربع لتطهير المباني، وتسوية الأجزاء الملوثة، بعد ذلك سنوات إضافية للتدمير الكامل للمنشآت وإعادة تأهيل الموقع، دون إغفال نقل النفايات النووية وقضبان الوقود إلى معامل إعادة المعالجة، تمهيداً لدفنها في المواقع المحددة.
قد يكون الخوف من تسرب النشاط الإشاعي مبرراً لمثل كل هذه الاحترازات والتخطيط الطويل، لكن مثل هذه الممارسة لا تأتي إلا ضمن ثقافة مجتمع يؤمن أن التخطيط المبكر هو الخيار الأوحد للاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، وحفظ الأموال والأرواح كذلك.
وللأسف فلقد مررنا بتجارب محلية لمشاريع انتهت، أو جهات حكومية انتقلت إلى مقرات جديدة، ولم يتم التعامل بشكل مهني مع المباني القديمة، مما جعلها عرضة لأن تتحول إلى شواهد مهجورة، أو إلى مجمع لرجيع الأثاث وصناديق الوثائق والملفات، بينما كان من الممكن التخطيط أولاً للاستفادة من تلكم المنشآت، بتأهيل أو هدمها كاملة، أو على الأقل منح جهات حكومية أو جمعيات النفع العام حق الانتفاع بها، بدلاً من بقائها هكذا دون فائدة تذكر.