هناك عدة عوامل تؤثر في توقعاتنا بشكل مباشر، أو غير مباشر، وقد يكون من المناسب أن نحدد المقصود بتوقعاتنا؛ فهناك توقعات خاصة بنا، أي توقعاتنا من أنفسنا، والنوع الآخر يتمثل في توقعاتنا من الآخرين. وكل نوع له مجالاته، ودوافعه، وعوائقه، ومشكلاته، ومستوياته، والمشكلة التي يواجهها الكثير ممن تقدم بهم العمر هي أن توقعاتهم من أنفسهم تظل كما هي عالية، بل أكثر مما كانت عليه في السابق، وتستمر في الصعود لأعلى المستويات بالرغم من تغير الكثير من الظروف المحيطة بالشخص كعامل التقدم في العمر، والجانب الصحي، وعدم الحركة، كما أننا قد نتوقع الكثير من أشخاص آخرين من دون أن نتفهم، أو ندرك أوضاعهم المختلفة التي قد تجعل توقعاتنا منهم غير واقعية، أو غير منطقية، وهذا يحـتم عليـنا أن تكون توقعـاتنا من أنفسنا منطقية، وتوقعاتنا من الآخرين في الحدود المقبولة.

أما فيما يتعلق بتوقعاتنا من أنفسنا ففي كثير من الأوقات تكون توقعاتنا عالية، أو طموحة جدا، وقد لا يكون لها حدود، وفي أوقات أخرى نتجاهل العوامل المختلفة التي قد تؤثر على مستوى تحقيق هذه التوقعات بمستويات مقبولة؛ فتوقعات الشخص من نفسه في عنفوان الشباب لن تكن مثلها عند التقدم في السن، فقد يمكن للشاب أن ينجز مهمة ما في ساعات قليلة، وبدون كلل، أو ملل، ويظل توقعه من إنجاز المهمة بعد التقدم في العمر بالمستوى نفسه، وبعد التقدم في العمر قد يحتاج الفرد أياماً لإنجاز المهمة السابقة التي تعوّد أن ينجزها في بضع ساعات، وهو في هذه الحالة لا يراعي التقدم في السن، وتأثيره على إنجاز المهام، بل يحمل نفسه أكبر من قدرتها، وهنا أرى أن توقعاتنا من أنفسنا يجب أن تكون بالمستوى المقبول والموافق لإمكاناتنا، وأعمارنا، وظروفنا المختلفة، وألا نحمل أنفسنا أكثر من طاقتها، ولذلك لا بد أن نقف وقفة جادة مع أنفسنا، ومن ثم نجعل مستوى توقعاتنا واقعيا، ومنطقيا بعيدا عن التوقعات العالية التي قد تؤدي إلى الإجهاد، والإنهاك الجسدي، والعقلي.

أما توقعاتنا من الآخرين فقد تكون أيضا عالية، وفيها مبالغة، وفي حالة عدم حدوث المتوقع منهم يتولد لدينا إحباط وخيبة أمل تجاههم، وقد يصل الحد إلى عدم الثقة بهم، وبقدراتهم، وهنا أرى أنه من الضروري أن نكون واقعيين في توقعاتنا من الآخرين؛ لأننا لا ندرك العوامل، أو الظروف التي يمرون بها، أو المشكلات التي يعانون منها، والأمثلة على هذا النوع من التوقعات كثر؛ فنجد أن بعض الآباء يتوقعون من أبنائهم صغار السن أن يتعامل مع كثير من المواقف مثل ما يتعاملوا هم معها، وبنفس المستوى، والإحساس، والمسؤولية، ويتوقع الأب من ابنه أن يتصرف التصرف الذي يقوم به هو في الموقف نفسه، وهنا فالأب يتجاهل دور عامل السن في هذه التوقعات، والخبرة؛ فلا بد أن نربط توقعاتنا من الأشخاص بعامل السن، فالسن تؤدي دورا كبيرا في تصرف الفرد وإنجازاته، ولذلك أرى أن لا نحمل أبناءنا، أو لا نتوقع منهم أكثر مما يجب، ولا نتوقع منهم أن يتعاملوا كما يتعامل الكبار مع المواقف المختلفة، كما نجد على مستوى الأسرة الواحدة أن بعض الآباء يحمل توقعات متساوية من أبنائه، أو بناته سواء في مجال التحصيل العلمي، أو التعامل مع المواقف، أو التفكير، أو غير ذلك من المواقف، وهذا تعميم غير مناسب؛ حيث كل فرد من أفراد الأسرة له ظروفه، وخبراته، ومهاراته، وقدراته، والعامل الأساس هنا هو عامل القدرات، ومنها القدرات العقلية، فتوقعاتنا من أبنائنا يجب أن تكون مرتبطة بمستويات قدراتهم، وتفكيرهم، فقد يستطيع الابن الأصغر إنجاز ما لا يستطيع الابن الأكبر إنجازه نظرا للفروق في القدرات العقلية، ولا نعمم التوقعات في مثل هذه الحالات؛ لأننا قد نظلم أبناءنا في هذه الحالة ونخلق بينهم نوعا من الحساسية، والكراهية خاصة إذا تمت المقارنة في مواقف متعددة، وبشكل متكرر، وفي مواقف أخرى نجد أن بعض أولياء الأمور تكون توقعاتهم من أبنائهم عالية مقارنة بأبناء أقاربهم، أو جيرانهم، وهذه توقعات غير صحيحة، ولا بد من التشجيع، والتحفيز بدلا من المقارنة التي قد تؤثر على نفسيات أبنائنا، وقد تجعلهم يفقدون الثقة في أنفسهم.