عرضت في الجزء الأول من هذه المقالة شيئا عن تجربتي الوظيفية في إذاعة الرياض، وكان التركيز على مسألة اللغة وتطبيقاتها، وبعد هذه التجربة أتساءل: ماذا يريد المسؤولون في الإعلام من خريجي كلية اللغة العربية، وما المقررات التي يمكن أن تعـنى بها حـتى يمكن أن ينخـرط في الوظـائف دون تعـثر وتدريب طويل؟

الإجابة ليست سهلة بطبيعة الحال، ولكن يمكن أن نضع أيدينا على بعض النقاط، ومنها:

1ـ تحويل عدد من ساعات النحو والصرف إلى مقررات تطبيقيّة، وتدعم القاعات بآلات تسجيل، ويسند تدريس هذه المقررات إلى المتمكنين لغوياً ومن الممارسين للإلقاء، ويمكن أن يتولى كل مقرر تطبيقي اثنان من الأساتذة: الأول متخصص في النحو والصرف، والآخر مدرب في مجالات الإلقاء ولديه مهارات في هذا الجانب.

2ـ تطوير مقرر القراءة إلى مادة تطبيقيّة أيضاً، ويمكن أن يكون التدريب عليها في أستديوهات الإذاعة والتلفزيون، ويسند تدريسها إلى أصحاب الخبرة. ويمكن أن تكون مجالاً لتوظيف بعض المتميزين منهم فيما بعد.

3ـ تطوير مقرر التحرير، وإضافة ساعات تطبيقيّة في المستوى السابع أو الثامن، ويكون التدريب في المؤسسات الصحفيّة، وفي إدارات الأخبار في القنوات الفضائية وفي الإذاعات الحكومية بإشراف أساتذة من أصحاب الخبرة في الكتابة الصحفية.

وأقترح برنامجاً لرفع كفاءة طلابنا في الكليات المتخصصة باللغة العربية، أو في أقسام اللغة العربية في الجامعات السعودية باسم "رافد" حتى لا يحتاج طلابنا بعد التخرج إلى "حافز"، وخلاصة الفكرة إقرار مسار تثقيفي مركّز يقام في الكلية أو القسم وفي الأندية الأدبية مدته سنة ويشمل المستويين الأخيرين، وينفذ مساء من بعد المغرب لمدة ثلاث ساعة يومياً من الأحد إلى الخميس، ويتضمن مسابقات، وتلخيص كتب، وكتابة تقارير عن المؤتمرات في الجامعة، وعن النشاطات المنبرية في الكلية وفي الأندية الأدبية، ويستضاف لهذا البرنامج عدد من الشعراء والقاصين والروائيين للالتقاء بالطلبة والتحاور معهم، ويطلب منهم كتابة بعض النصوص وتقوّم على يد أساتذة متخصصين ومبدعين، وترصد مكافآت مجزية لمن يجتاز البرنامج بتقدير ممتاز، ويمنح شهادة باجتيازه هذا البرنامج الذي يؤهله للتوظيف بشكل سريع.

وفي كل هذه الأفكار لتطوير المقررات لا بد من تكليف (معيد) لملازمة الأستاذ ومعاونته في الترتيب والتنسيق واكتساب الخبرة.

وبعد، فهناك فجوة بين مقرراتنا، وبخاصة في النحو والصرف، وواقع طلابنا المتخصصين في اللغة العربية، وذلك واقع مر، إذ نجد من بين طلاب المستوى الثامن "الذين على وشك التخرج" من لا يعرف عمل حروف الجر، ومن لا يعرف الفاعل من المفعول به، وهذا ما يدعونني إلى ضرورة مراجعة مقرراتنا وطريقتنا في التعليم التي مضى عليها زمن طويل دون تطوير وتجديد، وإذا كنا نتطلع إلى مخرجات صحيحة، فعلينا أن نمتلك الجرأة في التغيير حتى لا يتعدانا الركب ونحن نتفرج.

تدريس قواعد اللغة العربية يجب أن يتم من خلال تفعيل استخدام التقنية، والاهتمام بالتطبيق العملي، وتخصيص أساتذة ومحاضرين ومعيدين لهذه الخطوات، وألا تضاف إلى أساتذة مثقلين بتدريس وإشراف وإرشاد وأعمال إدارية، فإن صنعنا ذلك، فهذه أولى بوادر الفشل.