قبل عدة سنوات كانت الأندية الرياضية خلال شهر رمضان المبارك وفي العشرين يوماً الأولى وبعد التراويح وفي إجازات الصيف كذلك؛ خلية نحل في النشاطات الثقافية والاجتماعية والشبابية، وكانت تعج بالحركة والنشاط وتتنوع فيها المناشط من مسابقات وندوات ومحاضرات وبرامج توعوية وتمثيليات وألعاب مختلفة، ودورات رمضانية، ومهرجانات متنوعة، وكانت الأندية متنفساً كبيراً للشباب، يستثمرون فيها أوقاتهم وطاقاتهم، ونتذكر كيف كان التفاعل والتجاوب مع تلك البرامج من كل أطياف المجتمع، فالعلماء وأساتذة الجامعات والمثقفون والإعلاميون كانوا يحضرون ويشاركون بإحياء تلك الندوات والأمسيات والبرامج، ثم بدأ ذلك النشاط يخبو ويضعف فلم تعد الأندية تقوم بدورها في احتضان الشباب وفتح منشآتها لهم، وكان أحد أهم الأسباب الرئيسة لتوقف المناشط الثقافية بالذات وعلى وجه الخصوص في الأندية، هو انتقال الثقافة ككل من رعاية الشباب إلى وزارة الثقافة والإعلام إبان صدور قرارات إعادة هيكلة الأجهزة الحكومية قبل 10 سنوات، حيث شمل ذلك إنشاء وزارات جديدة وإلغاء ودمج أجهزة أخرى، وشمل ذلك نقل إدارة النشاطات الثقافية في رعاية الشباب وميزانيتها وموظفيها، وقد بذلت جهود مشتركة بين جهازي الرئاسة والوزارة لإعداد تصور مشترك يضمن استمرار النشاط لكن اصطدمت تلك الجهود بعوائق إدارية، فوزارة الثقافة والإعلام تنوء بحملها فكيف يمكن للوزارة أن تشرف على نشاط ثقافي لجهات لا تتبعها إدارياً بل تتبع لرعاية الشباب! وهو أمر محير فعلاً! إضافة إلى عدم اعتماد ميزانية لهذا الغرض، ولكن مع كل ذلك فإنه لم يكن من الصواب الإجهاز على هذا النشاط التوعوي التثقيفي المهم للأندية لتصبح أندية لكرة القدم فقط وبعض الاهتمام بالألعاب الأخرى مما شكل إحباطا للشباب الذين لهم اهتماماتهم ومواهبهم التي كانوا يجدونها في الأندية.
ومع الإيمان بنظام الاحتراف في كرة القدم وبما أن هذا هو واقع الحال الآن في الطريق إلى الخصخصة التي سيتم تحويل الأندية من خلالها إلى كيانات اقتصادية تمثل كرة القدم عصب مواردها المالية -ولا اعتراض على ذلك ما دام سيحقق تلك الموارد وإن كان لي ملاحظات على الطريقة التي يسير بها مسار الخصخصة- فإنه ليس من الحكمة أن يطلق على النادي اسم نادي كرة قدم (F.C.) بينما اسمه الأساسي حسب الترخيص له رياضي ثقافي اجتماعي، والمعول هو على رعاية الشباب ودورها الشبابي الذي هو صلب رسالتها، خاصة وقد رأينا سمو الرئيس العام لرعاية الشباب وقد حمل لواء الاهتمام بتنشيط وتطوير وتكثيف برامج الشباب، وهنا الأمل معقود على سموه بإحياء دور الأندية الرياضية تجاه الشباب وفتح أبوابها لهم واحتوائهم، ومع كل ذلك فإن الأندية نفسها قادرة على النهوض برسالتها إذا كان لدى إداراتها القناعة والاهتمام ليس في شهر رمضان فقط بل في كل وقت وخاصة خلال إجازة الصيف؛ ولدي الدليل على ما أقول فهذا نادي الشباب صار يضرب به المثل في اهتمام إدارته النموذجية برئاسة الأستاذ خالد البلطان، وزملائه بالنادي، والتفاعل مع شرائح المجتمع، ولم يحل اهتمام النادي بكرة القدم الذي هو بارز فيها أيضاً دون إعطاء برامج الشباب ما تستحقه من اهتمام بل اعتمد ميزانية لها ومن أبرزها مسابقة القرآن الكريم، وحفل الإفطار السنوي للأيتام، والمعسكر الصيفي لذوي الاحتياجات الخاصة، ومعارض مكافحة المخدرات والتدخين والتوعية الصحية وغيرها، وهناك خطة سنوية لهذه المناشط يرسمها العضو المثقف في النادي د. فهد العليان، ومن الجميل أيضاً إشراك النادي للقطاع الخاص للمساهمة في دعم بعض البرامج، وغير نادي الشباب هناك بعض أندية المنطقة الشرقية كنادي النهضة، وفي بعض المدن الأصغر ما زال هناك بعض الاهتمام، كما أن لبعض الأندية الكبيرة مبادرات ثقافية واجتماعية موسمية لكنها محدودة.
لذلك أهيب بأنديتنا الرياضية التي تزيد على 150 نادياً أن تخصص جزءاً من برامجها للشباب وهذه رسالتها وواجبها، وللرئاسة العامة لرعاية الشباب في المملكة أقدّم معلومة عما فعلته هيئة الشباب في دولة الإمارات، وليس هناك ما يمنع من تطبيق تجربتها، ما دامت تحقق الغرض، فقد تم فصل كرة القدم عن بقية الألعاب والمناشط الشبابية في الأندية وصار هناك في النادي الواحد مجلس إدارة لكرة القدم ومجلس إدارة لكافة المناشط الأخرى ودعمها بالكفاءات الإدارية وبالميزانيات، وبذلك يستفيد الشباب من المنشآت الضخمة للأندية التي تضم بالإضافة إلى المرافق الرياضية، مرافق ثقافية وترويحية واجتماعية. كل عام وأنتم بخير.