في ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، عقد مجلس أمناء مؤسسة البيان التعليمية يوم الثلاثاء الماضي اجتماعه السنوي بحضور الأمير مقرن بن عبدالعزيز الرئيس الفخري للمؤسسة وبمشاركة كريمة من الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز نائب الرئيس الفخري للمؤسسة، وذلك للاطلاع على إنجازات المؤسسة، التي شملت الانتهاء من تشييد 3 كليات مميزة في المدينة المنورة، بحرميها المنفصلين للبنين والبنات، والمتخصصة في التقنية والهندسة وإدارة الأعمال، إضافة للموافقة على إنشاء كلية رابعة في تخصص الحقوق.

خلال اللقاء، وافق المجلس الفخري على تحويل المؤسسة إلى جامعة أهلية غير ربحية، وبناءً على إصرار كافة أعضاء المجلس ومناشدتهم الصادقة، وافق الأمير مقرن على إطلاق اسمه على هذه الجامعة الفتية التي قام بزرع أولى غرساتها عندما كان أميراً لمنطقة المدينة المنورة قبل 6 سنوات.

من يجالس الأمير مقرن بن عبدالعزيز يعرف تماماً معنى الفرق بين العلم والتقنية وبين الفكر والمعرفة وبين الهدف والرؤية، ومن يتعامل مع الأمير مقرن بن عبدالعزيز يفهم جلياً معنى الإبداع في المثابرة والحكمة في المشورة والتواضع في المعاملة والأدب في المناقشة، فمجلسه العامر يمتلىء بصفوة مجتمع الأعمال السعودي وخيرة علماء الاقتصاد المعرفي ونخبة خبراء القانون الدولي.

قبل عقد من الزمن بادر الأمير مقرن بتكوين الفريق الوطني للعصف الذهني الاستراتيجي، الذي ضمَّ مجموعة من رجال الأعمال ونخبة من الخبراء والعلماء، لتتوالى اجتماعاته الدورية المتتالية برئاسته في كل من حائل والمدينة المنورة والعلا وينبع وجدة. بعد عام كامل من المداولات توصل الفريق لرؤية واضحة تحقق أحلامه وتثري أهدافه، مما نتج عنها العديد من المشاريع العملاقة التي نلمس اليوم نتائجها الباهرة في وطننا العزيز. كان الأمير مقرن شغوفاً بما حققه علماء وخبراء المسلمين في أوج الحضارة الإسلامية، وكيف حملوا شعلة الإبداع والمعرفة على مدى 600 سنة ليصبحوا مشعل النور في العالم أجمع، هذا في الوقت الذي كانت شعوب الدول الغربية تغط في ظلام دامس خلال العصور الوسطى. وكان سموه يعتز بدور الإسلام في تنمية المهارات الفكرية والإبداعية وإغداق الموارد على تطوير العلوم الإنسانية والطبيعية والهندسية والفلكية والطبية، لتفوق ميزانيات أبحاثنا 30 ضعف ما كانت تصرفه دول العالم بأسرها على الأبحاث في كافة المجالات، وليصبح عدد العلماء المسلمين في ذلك الوقت 62 ضعف علماء الكرة الأرضية قاطبة، ولتزيد مراجعهم العلمية والهندسية والفلكية والطبية بأكثر من 189 ضعف عدد المراجع المؤلفة باللغات الأجنبية. لذا لم يكن مستغرباً أن يتم تأسيس أول جامعة في تاريخ البشرية عام 859، باسم جامعة "القرويين" التي أنشأتها "فاطمة بنت محمد الفهري" بمدينة فاس المغربية، وتخرج فيها العديد من علماء الغرب، ودرس فيها بابا الفاتيكان "سيلفستر الثاني"، بل لم يكن مستغرباً في عام 872 أن يكون "أحمد بن طولون" أول من بنى وشيّد المستشفيات والمراكز التعليمية والعلاجية في العالم، والتي انتشرت منها المستشفيات في جميع أرجاء المعمورة.

فريق العصف الذهني الاستراتيجي أخذ على عاتقه دراسة أسباب تراجع مراتب جامعات العالم الإسلامي في عصرنا الحاضر، وسبب هجرة معظم خبرائها وجلّ علمائها بعد انخفاض عددها إلى 500 جامعة فقط، بينما ارتفعت في اليابان إلى 726 جامعة وفي أميركا 5700 جامعة وفي الهند 8400 جامعة. وتدارس الفريق أسباب تناقص نسبة العلماء المسلمين في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء إلى 3 علماء من بين كل 10,000 مسلم، بينما تفوق 40 ضعفاً في أوروبا و50 ضعفاً في اليابان و54 ضعفاً في أميركا، وسبب انخفاض نسبة عدد علمائنا إلى 230 عالما لكل مليون مسلم، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 5000 عالم لكل مليون نسمة في اليابان و4360 عالما لكل مليون نسمة في الهند. كما تدارس الفريق أسباب وجود 976 عالماً مسلماً مغترباً في مختلف بقاع الأرض، ينشرون نتائج ابتكاراتهم من خلال أبحاثهم العلمية ونجاحاتهم التقنية والهندسية والطبية، منهم 284 عالماً في الهندسة التطبيقية و179 في مجال الأحياء والزراعة و152 في مجال الطب و225 في العلوم التطبيقية والرياضيات و136 في العلوم الإدارية، لتصل نسبة العقول المسلمة المشاركة في التقدم العلمي والطبي والهندسي والتقني إلى 11% من مجموع علماء العالم في هذه المجالات.

نتيجة لهذا العصف الذهني تكونت لدى الأمير مقرن فكرة إنشاء جامعة متخصصة في التقنية والهندسة وإدارة الأعمال بمنطقة المدينة المنورة لاستقطاب نخبة من هؤلاء العلماء المسلمين الذين يتطلعون لجوار المسجد النبوي الشريف والمشاركة في نقل التقنية لأبناء وبنات هذا الوطن. وعندما طرح سموه هذه الرؤية على نخبة من أبناء الوطن البررة وبادر بتبرعه بأرضه الخاصة لإقامة الحرم الجامعي للبنين، انهالت تبرعات أهل الخير لتأسيس هذا الصرح المميز. اليوم يحتفل مجلس الأمناء بانتهاء مباني كليات البنين والبنات وإعداد مناهجها وبرامجها التعليمية بالتعاون مع جامعة "كنيتيكت" وجامعة "وين ستيت" الأميركيتين المتميزيتين. وتمهيداً لتأهيل طلبة العلم في هذا الوطن وتلبية احتياجات منطقة المدينة المنورة خاصة والمجتمع السعودي عامة، أصرَّ الأمير مقرن بن عبدالعزيز على أن تأخذ هذه الجامعة الفتية على عاتقها تقديم أفضل خدماتها في التخصصات الموائمة لمجتمعنا بجودة عالية ومعايير دولية.

الأمير مقرن بن عبدالعزيز... هو بحد ذاته جامعةً لمستقبل هذا الوطن.