وضعت يدي على قلبي، وقد هرعت بعد صلاة الجمعة لدينا، للفضائيات التي تنقل ما يحدث في ميداني "التحرير" و"رابعة العدوية"، وكلي خشية من حدوث ما لا يتمناه كل محب لمصر العروبة والإسلام.

مضت ولله الحمد الصولة الأولى، بقليل من الإصابات المتفرقة، وبعض المراقبين كانوا يتوقعون جمعة سوداء دامية، وللأسف لم يستمر هذا الاطمئنان طويلا، ففي فجر اليوم التالي حدثت التماسات بين متظاهري "رابعة العدوية" والجيش التي آلمتنا، وبغض النظر، هل حققت تلك المظاهرات ما كان يصبو له السيسي وفريقه؟، أم ما ردّ به متظاهرو "رابعة العدوية" من "الإخوان" ومن يتعاطف معهم؛ إلا أن السؤال المقلق الذي يلوب في قلوب كل الحادبين على مصر، عن الكيفية التي سينتهي بها هذا التأزم الذي لن يخدم سوى أعداء مصر، ويخسر الجميع فيه، مهما كان المنتصر الذي سيصل عبر أكلاف باهظة..

لأول مرة، أتمنى أن تكون قراءتي للأحداث خاطئة، ويكون المساجلون لي، من محبي "الإخوان" على حق، ولكنني أميل كثيرا إلى استحالة عودة الرئيس المصري محمد مرسي لكرسي الرئاسة، بل ما أراه هو الإيغال في ملاحقة "الإخوان" وتفكيك مقارهم وخلاياهم، وستتزايد المواجهات الدامية، ومع الأيام سيتخلى العالم عنهم، وهاهم أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، عقدوا -الخميس الماضي - جلسة استماع تحت عنوان "الأزمة في مصر"، وأكدوا أن: "ما حدث في مصر ليس انقلابا عسكريا، وأن وقف المساعدات اختيار سياسي ضعيف".

الله تعالى وحده هو من يعرف كيف ستؤول الأمور، وكيف ستكون النهايات لهذه الأزمة العاصفة في مصر، بيد أن السيناريو المظلم الذي نتخوف منه، هو وقوع الفتنة الداخلية عبر هذا التصعيد الذي نراه يتزايد يوما بعد يوم، وكلنا نرى عبر الفضائيات القتلى والجرحى الذين تتصاعد أعدادهم بشكل مقلق، والخوف كل الخوف أن ينقسم الجيش المصري، ونخسر أقوى جيوش العرب اليوم، وهذه كارثة الكوارث على أمة العرب جمعاء.

خسرنا الجيش العراقي بعد صدام، واليوم خسرنا الجيش السوري عبر محنة إخوتنا في أرض الشام، والخوف من أن نخسر الجيش العربي المصري إن استمر هؤلاء الفرقاء في مصر، يقدمون مصالحهم الحزبية، أو مطامعهم الشخصية في الحكم، وكنت مع الزميل جمال خاشقجي وثلة أكاديميين في جلسة "سحور" الأسبوع الماضي، وكانوا يرون استحالة وقوع فتنة داخلية، عكس كاتب السطور، الذي كان يرى إمكانية حدوث ذلك، في ظل هذا التأزيم الذي يشارك الكل فيه، فيما توارى العقلاء، واعتزلوا الفتنة، والتزموا الصمت القاتل.

إيران وإسرائيل الكاسبان اليوم، ومن مصلحتهما استمرار ما يحدث في أرض الكنانة، وأن تكون مصر ضعيفة، وأن يتفكك الجيش المصري، وأجزم أنهما حاضران بقوة في المشهد هناك، وتخيلوا معي ما سيحدث، لو رمى أحد استخباراتهما عبوة (c4) شديدة الانفجار في وسط ميدان "رابعة العدوية"، كيف سينفجر الوضع، وتتجه السبابات صوب الجيش المصري لاتهامه بما حدث، وفي خضم تلك المعمعة وغياب العقل والتبصر، تحدث الفتنة الدامية.

ما أود قوله باستشهادي الآنف؛ سهولة إشعال الحرب الداخلية في مصر اليوم، في ظل سماعنا لشعارات معسكري "الكفر والإسلام" التي بدأت خافتة قبل أشهر، وبتنا نسمعها بصوت جهوري اليوم، ومن قاس الفتنة في سورية، على أساس أن الحرب تتكئ إلى الطائفية المتأصلة هناك، فإن التوسل بالفتاوى القديمة للقاعدة - حيال فسطاطي الإيمان والكفر - جاهزة، وإسقاطها على واقع مصر سهل جدا ومقنع، وسيتزايد إن استمر هذا التأزم.

ما الحل إذاً والكل يريد تجنب هذا المصير الذي تساق له مصر؟ برأيي لو دققنا في الحالة المصرية اليوم، لألفينا ثلاثة معسكرات، أولها معسكر "رابعة العدوية" التي تضم "الإخوان" وبقية من المطالبين بعودة الرئيس محمد مرسي المنتخب، وهم يصرون على عودة الشرعية. فيما الفئة المقابلة لهم، العسكر وكثير من الأحزاب القومية والليبرالية والأقباط، الذين يرون فيما حدث، تصحيحا لمسار الثورة. هناك معسكر ثالث، ولكن صوته ضعيف، لا يشترط عودة الرئيس مرسي، ويرى أنه أخطأ لأسباب عديدة، وأن عودته تضر أكثر مما تنفع، ولكنه يطالب العسكر بالرجوع لثكناته، ويتخوف من هيمنته مرة أخرى على الحكم، ويعودون بذلك ستين عاما للوراء، ولم يقنعه السيناريو الحالي، فهو يراه غطاء باهتا، لا ينطلي عليه.

برأيي، ربما كان الخيار الثالث هو الأسلم لمصر، فواضح لكل ذي لب وبصيرة، بأن المرحلة الحالية لا تحتمل حكم الإسلاميين، أو وجود رجل إسلامي على سدة الرئاسة في مصر، لذلك لو يتوافق الفرقاء – عبر وسطاء من جيرانهم يهمهم عودة مصر للهدوء - على إعطاء الإسلاميين عموما –و"الإخوان" بصفة خاصة - حق الممارسة السياسية، كبقية الأحزاب والتيارات المصرية، ويعود هؤلاء للعمل السياسي عبر تواجدهم في المعارضة، فيما يتفرغ العسكر لحماية الحياة المدنية الجديدة.

من الحلول الناجعة برأيي لحلحلة إشكالية جماعة "الإخوان" وقبوله في الخريطة السياسية، ما نادى به من قبل د. عبدالله النفيسي المفكر السياسي الكويتي، بأن يفك "الإخوان المسلمون" تنظيمهم الأممي العالمي، وينخرطوا في الحياة السياسية في كل بلد، ولعل دول الخليج – الإمارات بالخصوص - كانت تتخوف من الأخطبوط الإخواني أن يتغلغل في أجهزة الدولة، ويتلقى أوامره من المرشد الأعلى، ليفيقوا ذات صباح، وقد وقع الانقلاب عليهم. لذلك ستبقى هذه الدول متوجسة أبدا، طالما كان هذا التنظيم الأممي حاضرا، وآن لكبار شيوخ تنظيم "الإخوان المسلمين" أن يفكروا بجدية في حل التنظيم، فلا سبيل أمامهم – برأيي - للعمل السياسي، في ظل هذه الأوضاع الجديدة التي تزداد تعقيدا، أو أن يعلنوا اعتزالهم العمل السياسي والانصراف للدعوة المحضة.

ما يحدث في مصر يهم كل العرب، ومن يظن أن تبعات ما يحدث هناك لن تنعكس عليه، فهو واهم.