من المؤكد أن نمو القطاع الخاص في المملكة يمثل أهمية كبيرة عند القيادة السعودية والتي تحرص كل الحرص على دعمه ومساندته بجميع الوسائل، لأنه يسهم في التنمية الشاملة في المملكة، وإن كان بعض المسؤولين في بعض القطاعات الحكومية يتعاملون مع القطاع الخاص على أنه قطاع يستفيد من الدولة ولا يفيدها وأن أصحابه طبقة من الاستغلاليين والانتهازيين، ويذهب حماس المنتقدين إلى وصف القطاع الخاص بالحرامية أحياناً، وهي مقولة قديمة عممها البعض، وهي ممارسات خاطئة من قلة من التجار، وهي حالات شاذة ويصعب تعميمها. ولست هنا لأدافع عنهم وإنما هي الحقيقةـ، حيث إنه لا يمكن قبول اتهام جميع مسؤولي الدولة بالفساد المالي والإداري، وقد يكون هناك نسبة إلا أن التعميم مرفوض، لأن هناك نماذج مشرفة من موظفي الدولة. وللحقيقة لابد لنا أن نشيد ببعض مبادرات القطاع الخاص في التنمية، وأخص في مقالتي اليوم دور القطاع الخاص في المساهمة في سد عجز النقل الجوي والذي لم تستطع الخطوط السعودية تغطيته وبعد معاناة طويلة مع البيروقراطية الحكومية لدى بعض المسؤولين الذين يسيطر عليهم حب التملك والاستحواذ لضمان سيطرتهم على سوق النقل الجوي حسب الامتياز الممنوح لهم من الدولة، إلا أن حكمة صاحب القرار وبعد نظره فتح الباب للمنافسة وإتاحة الفرصة للقطاع الخاص بإنشاء شركات نقل جوي لتغطية العجز. وعلى مضض استقبلت الخطوط السعودية القرار، إلا أن الجهة المانحة للتراخيص لم تأخذ في الاعتبار بعض العناصر الأساسية لنجاح اقتصادية التشغيل لهذه الشركات وصدرت التراخيص بشروط ساهم بعضها في تحقيق خسائر كبيرة لشركات النقل الخاصة. ومن هذه الشروط إلزام هذه الشركات الخاصة بنقل الركاب من بعض المطارات في المحطات الداخلية لبعض المدن الصغيرة وغير الاقتصادية في حسابات تكلفة النقل منها ولها. وبرغم علم الجهة المرخصة بأن هذا الشرط سوف يلحق خسارة كبيرة على الشركات الخاصة استناداً إلى نتائج التشغيل من الخطوط السعودية وبالتالي نُقلت الخسارة من الخطوط السعودية إلى الطيران الخاص والذي وإن كانت أسعاره منافسة جداً إلا أن عدم توافر الأعداد الاقتصادية من الركاب يدفع التشغيل للخسارة، وبرغم معرفتنا جميعاً أن ربط مناطق المملكة بشبكة النقل الجوي يعتبر جزءاً من البعد الاجتماعي للدولة، وعلى الدولة دعم شركات النقل الجوي التي تخدم هذه المحطات الداخلية غير الاقتصادية ، وهذا ما قامت به الدولة سابقاً وما زالت تدعم الخطوط السعودية، وكان من أكبر وسائل الدعم بيع الوقود للخطوط السعودية بسعر تشجيعي مقداره 45 سنتاً من الدولار للجالون، وتبيع الدولة نفس جالون الوقود للشركات الخاصة بسعر (2,60) دولار، أي بحساب تكلفة الوقود من قيمة التشغيل نجد أن تكلفة الوقود في تشغيل الطيران الخاص تمثل 60% وتكلفة الوقود في تكلفة التشغيل لدى الخطوط السعودية تمثل 20%. وقد قامت الدولة بمنح الشركات الخاصة سعرا تشجيعيا للأشهر الستة الأولى فقط ثم طبقت التسعيرة التجارية. أما المعاملة غير العادلة الأخرى فهي فرض رسوم عالية للمطارات على شركات الطيران الخاص وغض النظر عن إلزام الخطوط السعودية بدفع رسوم المطارات.

أما العامل الثالث في شروط التراخيص فهو تحديد سقف لسعر تذاكر الطيران الداخلية، مع العلم أن أسعار تذاكر الرحلات الداخلية لم تتغير منذ أكثر من 15 سنة في حين ارتفعت أسعار الوقود بشكل كبير، حيث قدر الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) التكلفة الإضافية الناتجة عن ارتفاع أسعار الوقود بنحو (99) مليار دولار في العام على مستوى العالم بأكمله، هذا بالإضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم المحلي بنحو 30% على مدار السنوات العشر الماضية، مما كان له أثر في ارتفاع تكلفة تشغيل الناقلات الجوية بما يعادل 80% في جميع الناقلات الجوية العالمية بما فيها الخطوط السعودية والناقلات الخليجية والنقل الجوي الخاص. وبمقارنة أسعار التذاكر الداخلية في المملكة بأسعار التذاكر الداخلية في دول مجاورة نلحظ أن قيمة التذاكر الداخلية في الدول المجاورة تساوي ضعف التذاكر الداخلية في المملكة، ومع تقديري لهدف الدولة في تخفيض الأعباء المالية على المسافر بين المدن السعودية، وهو هدف له بعد اجتماعي ينعكس على ولاء المواطن للدولة ولكنه ينعكس اقتصادياً بالسالب على شركات الطيران السعودية أو الخاصة، وعليه قدمت الدولة الامتيازات للخطوط السعودية. وحيث إن الخطوط السعودية أوقفت العديد من خططها الداخلية غير الاقتصادية وألزمت هيئة الطيران الخاص بالنقل بين المحطات الداخلية وبدون امتيازات السعودية فعليه أصبحت شركات الطيران الخاص في وضع اقتصادي صعب، رغم محاولاتها الصعبة للطيران الخارجي لبعض المحطات الاقتصادية التشغيل مثل القاهرة. إن تعرضي لهذا الموضوع في مقالتي اليوم ينطلق من حرصنا الوطني على مشاريع القطاع الخاص التنموية، وعلى وجه الخصوص مشاريع النقل الجوي ذات التكلفة العالية في قيمة الناقلات الجوية. وهي مشاريع وطنية بصرف النظر عمن هم الملاك، وإنما الأهم هو الدور الذي تقوم به لخدمة المجتمع في المملكة في غياب شبكة القطارات السعودية عن معظم مناطق المملكة. وإذا جاز لي الاقتراح بحلول لإنقاذ شركات الطيران الخاص مثل ناس وسما وغيرهما مستقبلاً فإنني أقترح أن تعامل الدولة هذه الشركات بنفس تعاملاتها المتميزة الممنوحة للخطوط السعودية، سوءاً في السعر التفضيلي للوقود أو في منحها إعفاء من رسوم المطارات أو تخفيضها للحد الأدنى في المطارات الصغيرة، ودعم هذه الشركات بقروض تمويلية طويلة الأجل بدون فوائد لشراء مزيد من الطائرات الصغيرة للنقل بين المدن الصغيرة، ونقل جزء من امتياز نقل المتعاقدين مع الحكومة إلى الطيران الخاص، وأقصد المدرسين وموظفي الدولة السعوديين والعمالة الأجنبية المتعاقدة للمشاريع الحكومية. أما اقتراحي لشركتي الطيران سما وناس فهو ضرورة تغيير خطتهما في نقل الركاب من المدن الصغيرة باستبدال الطائرات الكبيرة بطائرات صغيرة بحمولة الحد الأدنى في متوسط الركاب من وإلى كل محطة داخلية، وبالإمكان الاستعانة بالطائرات المروحية ذات التكلفة المنخفضة، وهي ضمن خطط التكاليف، مع الحصول على دعم الدولة في الامتيازات. إن خسارة وتوقف شركات النقل الخاص السعودية ستكون لها ردة فعل سلبية على الاستثمار في المملكة أو في استقطاب المستثمرين الأجانب للمملكة أو في توقف المبادرات الجريئة من القطاع الخاص.

آمل أن يحظى هذا الصوت المحايد باهتمام صاحب القرار، علماً أن طرحي مجرد من المصلحة الخاصة القريبة والبعيدة، وإنما هي مصلحة اقتصادية لوطننا.