إن لنا حقوقا لا نقبل التنازل عنها.. وأجزم يقينا أن من حقنا الدفاع عنها والسعي للحفاظ عليها من أي إساءة موجهة أو غير موجهة، وفي مقابل هذا الحرص الذي نتباهى به ونحاول إشاعته في محيطنا وتثبيت أركانه، هناك حق لغيرنا ولمجتمعنا وللعالم من حولنا، هذا الحق لا بد لي أيضا من احترامه ومحاولة تفعيله في تصرفاتنا مع من حولنا أقريبا كان أم بعيدا، وفي تصرفات من حولنا مع غيرهم.
إلا أننا نصادف في حياتنا نماذج من الناس لا ترى إلا ظلها ولا تتعامل إلا معه فهي الكل والكل هي، وما عداها هباء منثور، ويخيل لي أن هذا البعض يظن نفسه مخلدا في موقعه مالكا على الدوام قوته وصحته، فهو العاشق لنفسه ولذا نجده يتمحور مع من يجلله في خواء ويصفق له ما دام بيده الأمر، لكن المعادلة تتغير ما أن ينحسر الضوء عنه فلا هو الذاكر ولا هو المجل، هؤلاء نجدهم بيننا ونتعايش معهم بطبيعة الحال، ونجد أنفسنا على مسافة لا يستهان بها منهم.. ولكننا إذا أقبلنا أدبروا وإذا أدبرنا أقبلوا..
القضية لا تتوقف عند هذه الجغرافية فقط.. إذ نجدهم يحولون الظالم إلى مظلوم والمظلوم إلى ظالم متى ما استدعى الوضع لذلك، والمؤلم أنهم يظهرون قناعاتهم بهذا الكذب وذاك التدليس ويروجون لهما عامدين لاستثمار المعطيات بما يعود عليهم دون سواهم بالخير العميم، ولا مانع لديهم في تغيير مواقعهم تارة يمنة وتارة يسرة، المهم أن ينالوا ما تتطلع له نفوسهم التي لا تعرف طريق السكينة إلا على الأنقاض.
وبين هؤلاء وهؤلاء، نجد أناسا اعتقدوا أن خيارهم هو الحق وهو الصواب، وما إن تحولت الأمور إلى غير المراد لها، تعذر عليهم الاعتراف بالخطأ عنادا أو خوفا من العواقب، ومن حكم جائر لا يصيبهم خاصة بل يطال أسرهم وقرابتهم، هؤلاء أوقعوا أنفسهم وغيرهم في شر أعمالهم، بل إنهم لا يتهاونون في توجيه تهم لا أصل لها أو إلى تضخيم أخطاء، بالتأكيد لا سعيا منهم لإقرار الحق بل صونا لجلودهم من سياط هائجة تترقب سقوطهم.
وعلى قبح هذا الجانب من هؤلاء نجد أناسا نشأت نفوسهم على الفضيلة والحق والوفاء تراقب الله في سكناتها وتدرك أنها فرد من مجموعة ما صلح لها صلح لهم، وأنه لا مجال للتفريق ولا للعداء ولا للتنافر، فالخلاف وارد لكن الحدود الفاصلة بينهم يجب ألا تتسع لتحولهم إلى أعداء، أدركوا أن لغيرهم حقا مماثلا لحقهم، وحق غيرهم يماثل حقهم، فتصالحوا مع أنفسهم ومع محيطهم واستكانت نفوسهم ووثقوا أن الظلم لن يطالهم ولو فعل فسرعان ما تنقشع الغمة، فهناك من يناصر المظلوم إحقاقا للحق الذي ترسخت مفاهيمه بديننا الحنيف.
إن الأوضاع السياسية التي تدار هذه الأيام في محيطنا العربي أثرت على مجريات حياتنا وعلى أحاديثنا الجانبية، بل حاولت تفريق صفوفنا بالانتماء إلى هذا الصف أو ذاك، ولا أستبعد أن هناك من يسعى ويمني نفسه بنشر فيروس الفوضى في بلادنا حسدا من نفسه، بل إن منهم من يعلنها صراحة.. فحقده معلن وحسده معلن، وهو اليوم إن كان ضدنا فغدا قد يكون معنا.. المهم أن يصب خيرنا في جعبته... المهم أن نمكنه من عد أنفاسنا وسكناتنا.
في خضم ما نحن نمر عليه هذه الأيام أخشى أن تتحول مواقفنا المتفرقة إلى تعصب أعمى يحرق الأخضر واليابس، أخشى أن يحدث ذلك ولو بعد حين، فنحن بحول الله على يقين أننا اليوم في أمن وأمان، مقدرين أنهما من أعظم نعم الله علينا، لكني أتفكر في حال أولادنا وأحفادنا ما الذي سيحدث معهم وحولهم وبهم وهل سيكونون بحول الله حريصين على أمنهم وأمانهم ومقدراتهم أم ستصيبهم العدوى فينجرفون في خضم صراع لا يترك خلفه إلا الدمار والرماد.
القضية إن بلادنا ليست كغيرها من البلاد فنحن نحتضن الحرمين الشريفين وهما قبلة لأكثر من مليار من المسلمين الذين يتوافدون ليس في موسم أو موسمين بل على مدار العام، وأي تغيير في التركيبة النفسية للمواطن السعودي، أو محاولة إثارة البلبلة والفرقة ولو بعد حين، تكون جريمة في حقنا كمواطنين وحق الحجاج والمعتمرين الوافدين إلينا، لذا يعتبر الأمن من أول أولوياتنا شعبا ودولة، وهو من الأمور المفقودة نسبيا في عالمنا العربي حاليا مع الأسف.
علينا أن نكون حذرين من عدوة تصيبنا كما أصابت إخوة لنا بسبب خلافات حزبية حولتهم إلى أعداء وهم أبناء وطن واحد، علينا نبذ كل ما من شأنه تفريق الصفوف، ولنفهم أن الاختلاف وارد لا محال، وهي فطرة جبل الناس عليها، لكن هذا الخلاف يجب أن لا يكون سببا في الاقتتال وسفك الدماء وإهدار كرامة الإنسان، وأن لا يتعارض مع مقدراتنا الدينية.
أسأل المولى الكريم أن يحفظ لنا أمننا وأماننا ويرد كيد أعدائنا في نحورهم ويحـفظ المسلمين كافة ويهديهم لصلاحهم ولتوحيد صفوفهم ويرفع عنهم الشرور.