في مطلع شهر رمضان، اتصل بي الصديق والزميل طلال آل الشيخ، رئيس تحرير هذه الصحيفة المتألقة، ودعاني للمشاركة بمقالة رمضانية. وتسرني الإطلالة على قراء صحيفة "الوطن" الكرام في هذا "الصيف - اللاهب" بموضوع عن مقارنة بين رواتب أعضاء بعض البرلمانات في العالم نشر في مجلة "الإيكونوميست" البريطانية منتصف الشهر الجاري.
اعتبرت "الإيكونوميست" أجر عضو مجلس الشورى السعودي متواضعاً بل متدنياً قياساً برواتب نواب في دول نامية مثل: نيجيريا وكينيا وإندونيسيا وجنوب أفريقيا. وأوضحت المجلة أن راتب عضو الشورى السعودي في العام يعادل 64 ألف دولار (240 ألف ريال)، في وقت يتقاضى النائب البرلماني في دولة مثل نيجيريا "ينخر الفساد عظمها نخراً"، ما يعد أعلى من راتبي الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس وزراء بريطانيا في آن معاً، براتب سنوي قدره 189.5 ألف دولار، تعادل 116 في المئة مما يتقاضاه المواطن النيجيري، الذي يعاني من الفقر والفشل!
وأوضحت المجلة الرصينة أن النائب البرلماني في كينيا (شرق أفريقيا) يأتي في المرتبة الثانية براتب قدره 74.5 ألف دولار، تمثل 76 في المئة من دخل الفرد الكيني. فيما يصل راتب النائب في جنوب أفريقيا إلى 104 آلاف دولار (14 في المئة ضعف دخل الفرد)، و157.6 ألف دولار يحصل عليها النائب في البرازيل (13 في المئة من الناتج القومي الإجمالي للفرد). وحتى في إندونيسيا يتقاضى النائب البرلماني - بحسب المجلة - أعلى من نظيره السعودي، براتب يبلغ 65.8 ألف دولار (246.7 ألف ريال) سنوياً. وفي إسرائيل يصل دخل النائب في الكنيست إلى 114.8 ألف دولار سنوياً.
أما في الدول المتقدمة فإن البون شاسع بين دخل النائب البرلماني وعضو مجلس الشورى السعودي، إذ يبلغ راتب النائب الإيطالي 182 ألف دولار، وعضو الكونجرس الأميركي 174 ألف دولار، والنائب الأسترالي 201 ألف دولار، والكندي 154 ألفاً، والألماني 119 ألفاً، والبريطاني 105 آلاف دولار.
تشير الأرقام التي استقتها المجلة من دراسات الهيئة البرلمانية المستقلة للمعايير، ومواقع حكومات، وإحصاءات صندوق النقد الدولي، إلى أن عضو مجلس الشورى السعودي يتقاضى نحو 240 ألف ريال سنوياً، تمثل نحو 2.4 في المئة من نسبة الناتج القومي الإجمالي للفرد السعودي.
لكن، يبدو بعد الاتصال والتأكد من مطلعين داخل المجلس أن مقدار ما يتقاضاه عضو مجلس الشورى السعودي أكبر من ذلك، ومجلة "الإيكونوميست" أخطأت في حسبة راتب عضو الشورى السعودي، إذ يتقاضى راتباً شهرياً مقداره 26 ألف ريال (6.933 آلاف دولار)، أي بإجمالي سنوي 312 ألف ريال (83.200 ألف دولار)! وتناست أن عضو الشورى السعودي يتقاضى بدل سكن سنوياً مقداره 100 ألف ريال (26.666 ألف دولار)، و300 ألف ريال عند التعيين (80 ألف دولار) لأربع سنوات بما يعادل 20 ألف دولار عن كل سنة، وهو ما يعني أن الدخل السنوي يصل إلى 130 ألف دولار. إضافة إلى تذاكر درجة أولى على الخطوط الجوية السعودية للأعضاء غير المقيمين في العاصمة الرياض، وأوامر علاج طبي في المستشفيات الكبيرة التي يصعب على المواطن العلاج فيها، وإجازة سنوية تصل إلى60 يوماً.
في المجلس، سبق أن رفضت لجنة الإسكان والخدمات العامة مقترحاً لبناء المساكن وتوزيعها على موظفي الدولة بأقساط مريحة. وقبل عامين، أسقطت توصية بصرف بدل السكن لموظفي الدولة، ثم رفضت أخيراً توصية تطالب بفرض رسوم على الأراضي البيضاء التي يحتكرها "الهوامير". وبذلك يتضح أن أعضاء المجلس وقفوا عائقاً أمام بعض الحلول في شأن أزمة الإسكان، فالمشكلة تعد من أبرز المشكلات التي تواجه السعوديين اليوم، ويعجز أكثر من نصف سكان هذه الدولة النفطية ذات المساحة القارية عن بناء مسكن، ويحتاج كل منهم إلى "صبر أيوب" حتى يحصل على قرض عقاري.
قبل أيام قليلة دشّن السعوديون في "تويتر" هاشتاقاً يبثون فيه همومهم بعنوان: "الراتب لا يكفي الحاجة"، فكيف سيتمكن المواطن من بناء منزل وراتبه لا يسد حاجته، فما بالك ببناء منزل يؤويه؟ بعد أن تجاوزت أسعار الأراضي الصحراوية أسعار المنازل الجاهزة في دول أوروبا وأميركا، في وقت أعضاء الشورى "يغمضون" ويسقطون التوصيات!!
اللهم لا حسد. لكن مجالس الشورى في السعودية ودول خليجية وعربية، لم تحقق نجاحات وإنجازات تقنع المواطن بأدائها وقدرتها على تمثيل المواطن العادي والتعبير عن همومه والإسهام في حلحلة مشكلاته والدفاع عنه عبر الدفع بقوانين وتشريعات تضع المواطن أولاً، لما يعود عليه إيجاباً وبشكل ملموس.