على بعد 45 كلم من ولاية بورصة التركية باتجاه الجنوب، تقع بلدة صغيرة مساحتها التقديرية لا تتجاوز 30 كيلو متر مربع، تسمى أناجول، برعت في صناعة الموبيليا (الأثاث)، ليصل دخلها السنوي إلى المليار دولار؛ بحسب عاملين في تلك الصناعة بالمدينة.

كانت "الوطن" على موعد مع رجل أعمال تركي اشتهر في هذا المجال يدعى أحمد قولار، وهو من أصول عراقية هاجر لبلاد الأناضول قبل عقدين من الزمان، ليستقر به الأمر في "صنعة الأثاث"؛ ليصبح بعد ذلك عضواً فاعلاً في جمعية رجال الأعمال والصناعيين بأناجول. ويعد قولار اليوم أحد اللاعبين الرئيسيين في تلك الصناعة، وحينما يتحدث قولار عن أناجول، فإنه يستخدم كثيراً صيغ التأكيد والإتقان بين تعابير جمله، فيقول لـ "الوطن" :"إن أناجول البلدة الصغيرة هي السفير الاقتصادي ورجل الأعمال التركي رقم واحد للعالم الغربي في الأثاث".

أما مفردة "الجودة العالية" تحديداً، فأضحت "دستورا مشتركا"، في مسار اللغة الاقتصادية بين جميع رجال أعمال أناجول، فلديهم مستويات عالية في جودة منتجاتهم لا يتنازلون عنها إطلاقاً، سواءً في الأسواق المحلية، التي تغزوها المنتجات الصينية، أو حتى في محيط الإقليمية والدولية. وترتكز رؤيتهم الاستراتيجية في تلك الجودة على أنهم يراهنون عليها في التمدد التجاري، فآخر صفقات أناجول كانت مع مصر في مطلع مارس الجاري بتبادل تجاري يصل إلى قرابة 50 مليون دولار سنوياً في مجال الأثاث.

ورغم أهمية السوق الخليجي باعتباره أهم الأسواق المستهدفة عالمياً، إلا أن رواد الأثاث التركي لا يتجهون إليه كثيراً بسبب الإغراق الصيني في تلك المنطقة، لذا تجد السوقين الأوروبي والأميركي في خانة المستهدفين الأوائل بالنسبة لهم، ويعود ذلك لمعايير الاشتراطات الصناعية العالية المفروضة هناك.

وكان من الملاحظ أثناء وجود "الوطن" في أحد ضواحي مصانع الأثاث وجود عدد من العوائل الخليجية ميسورة الحال، التي تقوم بعقد اتفاقات خاصة مع تلك المصانع، بغرض تأثيث منازلها من أناجول بشكل كامل.

ورغم أن ولاية بورصة بها 13 منطقة صناعية، إلا أن نصيب هذه البلدة الصغيرة منطقتان فقط، وذلك بحسب غرفة تجارة بورصا الرسمية. ولم تستمد "أناجول" شهرتها في تصنيع الآثاث فقط، بل أخذ نموها يتصاعد سياحياً بسبب الطبيعة الخلابة، والمياة المعدنية الكبريتية العلاجية وبخاصة مفاصل العظام والروماتيزم، إلا أن صناعة الموبيليا طغت على تلك الجوانب بشكل كبير، وأضحت الصورة الذهنية "لأناجول" باعتبارها رائدة الأثاث التركي وأهم المصدرين للولايات المتحدة الأميركية وأوربا وشمال أفريقيا وإيران.

وبينما يبحث الخبراء وصناع القرار في الاقتصاد العالمي باسـتمرار عن حـلول لأهم معضلة تهدد الاستقرار العالمي وهي "البطالة"، يفاجأ المرء بمعلومة مهمة تجدهـا في الوثـائق الرسمية لجميعة صناعة أناجـول، بعدم وجود أي بطالة فيها على الإطلاق، بل العكس وفي ظل الأزمة العالمـية الصناعية، يبدون احتياج مصانع البلدة الدائم للقوى العاملة، وتقدر نسبة النقص بـ -5%، وفي هذه الجزئية تحديداً يفتخر أهالي البلدة الصغيرة، ويتحدث رئيس بلديتها علي نور أكتـاش بافـتخار فـيقول :" إن أدنى دخل للعاملين شهرياً في قطاع الأثاث هو 750 دولار شهرياً".