هل يعين الإيمان والدين والصلاة على الشفاء؟.. سؤال حير العلماء والباحثين لعدة قرون، لكن خلال العقود السابقة توفرت لدينا آلاف الأبحاث التي أجابت عن السؤال السابق بـ"نعم".

ففي مراجعة شاملة ودقيقة لكل الأبحاث والدراسات التي تناولت بحث تأثير الدين والإيمان والروحانيات على الصحة النفسية والجسدية منذ عام 1872 وحتى عام 2010، عُرّف الدين في هذه الدراسات ليشمل ويقتضي وجود إيمان وممارسات ومناسك وشعائر موجهة للخالق سبحانه، وأما الروحانيات فإنها تختلف عن الإنسانية والقيم الأخلاقية في أنها متصلة بالقدسية وربانية الخالق المتعال. وتمت مراجعة 3300 دراسة، 1200 دراسة ما بين 1872 إلى 2000، و2100 دراسة ما بين عامي 2000 و2010، ووجد أن الدين والإيمان والروحانيات لها آثار إيجابية عظيمة على الصحة الجسدية والعقلية والنفسية.

نبدأ أولاً بالدراسات التي علاقتها طردية، أي أن زيادة الإيمان تؤدي إلى تحسين الصحة الجسدية والعقلية والنفسية، فقد بينت 256 دراسة أن هناك علاقة طردية مع السعادة، بمعنى أنه كلما زاد الإيمان والروحانيات زادت السعادة، 229 دراسة بالنسبة للأمل، 25 دراسة بالنسبة للتفاؤل، 42 دراسة بالنسبة لمعنى الحياة، 45 دراسة بالنسبة لاحترام الذات وتقدير الذات، 13 دراسة للقدرة على تمالك النفس والجلد وضبط النفس، 68 دراسة بالنسبة للاستقرار الأسري، 15 دراسة بالنسبة لزيادة مناعة الجسم مناعة طردية.

أما بالنسبة للعلاقات العكسية، أي أن زيادة الدين والإيمان والروحانيات تحد من هذه الأشياء، فنجد 272 دراسة تشير إلى أن زيادة الإيمان تؤدي إلى خفض نسبة الاكتئاب، 80 دراسة تشير إلى أن زيادة الإيمان تؤدي إلى خفض نسبة الانتحار، 149 دراسة تشير إلى أن زيادة الإيمان تؤدي إلى خفض نسبة التوتر والقلق، 240 دراسة تشير إلى أن زيادة الإيمان تؤدي إلى خفض نسبة إدمان الخمر والمخدرات والدواء، 123 دراسة تشير إلى أن زيادة الإيمان تؤدي إلى خفض نسبة التدخين، 125 دراسة تشير إلى أن زيادة الإيمان تؤدي إلى خفض نسبة أمراض الأوعية الدموية، 136 دراسة تشير إلى أن زيادة الإيمان تؤدي إلى خفض نسبة الإصابة بضغط الدم، 45 دراسة تشير إلى أن زيادة الإيمان تؤدي إلى خفض نسبة جلطات الدماغ، 10 دراسات تشير إلى أن زيادة الإيمان تؤدي إلى خفض نسبة الزهايمر وفقد الذاكرة، 16 دراسة تشير إلى أن زيادة الإيمان تؤدي إلى خفض نسبة السرطان، 82 دراسة تشير إلى أن زيادة الإيمان تؤدي إلى خفض نسبة معدل الوفيات.

منذ زمن طويل وعلماء الأعصاب والدماغ يحاولون دراسة التأثيرات الفسيولوجية التي تطرأ على الدماغ في حالات العبادة وما ينتج عنها من خشوع وارتقاء روحي، ونتج عن ذلك علم يسمى بـ(علم فسيولوجية الأعصاب في الدين والروحانيات)، وقد خطا هذا العلم خطوات إيجابية بفضل الجهاز الذي يعمل على تتبع سير الدم في الدماغ بعد حقن مادة مشعة في الدم، وبذلك يمكن للباحثين دراسة النشاط العصبي في الدماغ، حيث إن سير الدم يتوافق مع النشاط العصبي. وأصبح هدف العلماء والباحثين تحديد المناطق التي تضيء (تنشط وتحث) والمناطق التي تنطفئ (تصبح خاملة) عندما يعيش الإنسان لحظات في السمو الروحي واستشعار وجود الخالق.

وقد وجد الباحثون أثناء دراستهم لظاهرة السمو الروحي والخشوع أن المنطقة الأمامية (الناصية) من الدماغ قد أضاءت (كما هو متوقع)، فهذه هي منطقة التركيز، ولكن الشيء غير المتوقع هو ما حدث للمناطق الأخرى في الدماغ من هدوء وانعدام تام للنشاط العصبي! بل إن هناك منطقة في الدماغ تسمى الفص الجداري العلوي قد انطفأت تماما! وهذه المنطقة هي المسؤولة عن الشعور بأبعاد الجسد (أين يبدأ وأين ينتهي) وعلاقته بما حوله من ماديات وأشياء.

وبالتحديد، فإن الجزء الأيسر من هذه المنطقة في الدماغ هو المسؤول عن تحديد أبعاد الجسد البشري، أما الجزء الأيمن فهو المسؤول عن خلق الإحساس بالأشياء التي تحيط بالإنسان. وأي خلل أو إصابة في هذا الجزء من الدماغ يفقد الإنسان قدرته على التحرك وتحديد المسافات بينه وبين ما حوله، وهذا ما يحدث للإنسان أثناء لحظات الخشوع والسمو الروحي من فقدان للشعور بالزمن والمكان، وهذه اللحظات هي التي يصفها البعض بأنها اللحظات التي يستشعر الإنسان فيها ربه ويحس بوجوده، حيث إن الحدود والحواجز التي تحيط به تكون قد سقطت وأصبحت روحه طليقة تجوب بالفضاء الواسع بحرية وتستشعر عظمة خالقها وتذوب في وحدانية الكون، بل وجد الباحثون أن المنطقة المضاءة والمستثارة أثناء لحظات الخشوع (الفص الصدغي)، هي في المنطقة المسؤولة عن إدراك الكلام.

ويعتقد الباحثون أن هذه اللحظات تنشأ من حدوث ما يشبه التيار الكهربائي في منطقة من الدماغ تسمى الفص الصدغي، وقد ينشأ هذا التيار نتيجة ضغط عصبي أو نفسي أو نتيجة حدوث كارثة شخصية أو إنهاك جسدي، وهذا يفسر ما يشعر به بعض الناس من قربهم لربهم أثناء الضغوط الجسدية أو النفسية أو العصبية أو حدوث الكوارث الشخصية.. "وإِذا مسكُم الضر في الْبحر ضل من تدعون إِلا إِياه" الإسراء 67.. "وإِذا مس الإِنسان الضرُّ دعانا لجنبِه أَو قَاعدا أَو قَائما".

ويعتقد الباحثون أن التركيز العقلي والعاطفي أثناء العبادة سواء كانت صلاةً أو تسبيحاً أو دعاءً أو تأملاً وتفكراً يقوم بدفع الدماغ إلى نشاط عصبي (كهربائي) متزايد، تماماً كما يفعل الخوف والكوارث. وعندما يحدث ذلك يقوم جزء من الدماغ - وهو المسؤول عن إعادة التوازن في الدماغ يسمى هيبوكامبس "Hippocampus" - بكبح جماح النشاطات العصبية، تماماً كما تفعل فرامل السيارة، فالهيبوكامبس هي المسؤولة عن حركة مرور الأنشطة العصبية لأجزاء الدماغ المختلفة، وقد اتضح أنه يقوم في هذه الحالات بمنع وصول الإشارات العصبية لمناطق في الدماغ، مثل المنطقة المذكورة سابقاً والمسؤولة عن تحديد المكان والزمان.

الإيمان يعطي الإنسان معنى للحياة وهدفاً وغاية من الخلق، ويعين على تحمل مشاق الحياة، ويزرع نظرة التفاؤل للحياة بوجود خالق يحب عباده ويرعاهم ويحميهم ويرزقهم ويستجيب لدعائهم، وهو المسيطر والمهيمن والرحيم والعادل وكل شيء لديه بقدر. والإيمان يقدم للإنسان الإجابات لأهم أسئلة الحياة، من أين أتينا؟ وأين نحن ذاهبون؟ وما هي غاية خلقنا؟ وما المطلوب منا في هذه الحياة؟ وبذلك تصبح كل أحداث الحياة على صعوباتها ومآسيها مقدورا عليها بالصبر والدعاء والأمل والإيمان، بأن هناك رباً خالقاً عادلاً قادراً على أن يكشف المصاب ويرفع البلاء ويجيب الدعاء، وقد يؤخر للمؤمن الأجر والثواب إلى الدار المقام (الآخرة)، وكل هذا يؤدي إلى خفض نسبتي التوتر والضغط النفسي، اللذين يؤديان إلى إفراز العديد من الهرمونات في الجسم، كما يؤدي إلى الإصابة بمعظم الأمراض التي سبق وذكرناها.