قال الله تعالى في محكم كتابه في (سورة التوبة 60) مبيناً مصارف الزكاة وحصرها في ثمانية أوجه: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وإبن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم". وجاء في الكافي لابن عبدالبر المالكي: "وأما الغارمون فهم الذين عليهم مثل ما بأيديهم من المال أو أكثر، وهم ممن قد أدان في واجب أو مباح. فإن كان كذلك جاز أن يعطوا من الصدقة ما يقضون به ديونهم أو بعضها، فإن لم يكن لهم أموال فهم فقراء غارمون يستحقون الأخذ بالوصفين جميعاً". وفي تعريف الغارمين قال ابن قدامة الحنبلي: "والغارمون هم المدينون العاجزون عن وفاء ديونهم. هذا الصنف السادس من أصناف الزكاة، ولا خلاف على استحقاقهم وثبوت سهمهم، وإن المدينين العاجزين عن وفاء ديونهم منهم". ويقول رجل الأعمال المشهور، صاحب المبادرات في الاقتصاد الإسلامي والمعاملات الإسلامية، وأول المنادين من رجال الأعمال بتوسيع دائرة مصارف الزكاة الحالية لتشمل النص الشرعي لجميع المصارف الثمانية، الشيخ صالح عبدالله كامل صاحب فكرة صندوق الغارمين: "يلاحظ أننا حصرنا الزكاة المفروضة في سهمين فقط وهما الفقراء والمساكين، وأهملنا باقي المصارف الشرعية الثمانية، وهي الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل". وأكد الشيخ صالح أن الزكاة تعني الزيادة والنماء، رافضاً حدوث نقص للمال بسبب الزكاة، لأنها تطهير للمال وزيادة، تصديقاً لقوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"، ووصف الشيخ صالح مصرف "الغارمين" الذي حددته الزكاة بالمصرف (الاقتصادي البحت)، مشيراً إلى أن الغارم هو من تحمل دينا شرعيا ولم يستطع سداده، حيث إن تواجد "صندوق الغارمين" سيزيد من طمأنينة أصحاب الأموال، الأمر الذي سيساعد على الاقتراض والتقسيط، وبالتالي يتم تمويل المشروعات وفتح فرص عمل والقضاء على البطالة في العالم الإسلامي.
ومن رواد العمل في مجال الغارمين الشيخ صالح التركي، أحد أصحاب المبادرات المتميزة عندما كان رئيسا لغرفة جدة. وهذا يدفعني اليوم لتوجيه الدعوة لجميع رجال الأعمال لتبني فكرة الشيخ صالح كامل في إنشاء صندوق الغارمين، تتبناه الغرف السعودية وتسهم فيه مصلحة الزكاة ووزارة الشؤون الاجتماعية وتشرف عليه إمارة كل منطقة من مناطق المملكة، على أن يسمح لدافعي الزكاة من التجار ورجال الأعمال والأفراد وورثة الأغنياء بوضع جزء من زكواتهم في هذا الصندوق على أن تحسم هذه النسبة من النسبة المقررة على الشركات والمؤسسات المقرر دفعها سنويا للدولة.
ونظراً لأن مصرف الغارمين أحد المصارف الثمانية المحددة للزكاة فلدافع الزكاة الحق في اختيار المصرف الذي يرغب وضع زكاته فيه. وأعتقد أنه مطلب منطقي لا اعتراض عليه ولا يخالف التشريع، وإذا كان هناك من يعترض بحجة أن دفع الزكاة الأصل فيه أن تدفع للدولة لوضعها في بيت مال المسلمين فلا ضير في هذا، ولكن يظل المطلب هو تخصيص جزء من أموال الزكاة لمصرف الزكاة السادس (الغارمين)، وبالإمكان أن تحدد الدولة نسبة سنوية تستقطع من إجمالي واردات الدولة من الزكاة لصرفها لصندوق (الغارمين).
من يُراجع قوائم المسجونين في الحقوق الخاصة، وبالتحديد في الديون التي ترتبت عليهم ولم يستطيعوا سدادها وبالتالي أودعهم الدائنون السجون، فسيكتشف أن إيداعهم في السجون لن يحل القضية، ولن تعود أموالهم إلا عن طريق صناديق الغارمين، أو عن طريق جمعيات الإفراج عن المساجين الخيرية التي قامت وقام القائمون عليها بدور عظيم.. رحم الله من مات منهم، وأطال الله عمر القائمين عليها الآن واكسبهم الأجر والثواب. إن من يعتقد أن سجن المدين الذي أفلس في تجارته أوعمله بدون نصب أو تحايل قد يسهم في إعادة دينه يكون قد أخطأ، حتى وإن كان قد مارس حقه النظامي. ومن وجهة نظري أن إعادة بناء المدينين تجارياً ودعمهم ومساعدتهم في أعمالهم سوف تسهم في سداد ديونهم، وبقاء بعض مساجين الدين في السجون سيعطل قدراتهم على الإنتاج والعمل لسداد الديون. وهذا هو الذي يدفعني إلى دعم فكرة إنشاء صندوق الغارمين للمساهمة في سداد ديون المغرومين، وأقترح تطوير فكرة الصندوق لتشمل إعادة بناء المدينين وتأهيلهم لبداية جديدة في أعمالهم التجارية والبحث عن ممولين لهم، وفتح قنوات تعاون والإشراف عليهم وإعادة جدولة ديونهم.
إن طرحي اليوم ليس جديداً، وإنما هو مطبق في بعض دول العالم المتقدم، ولكن ليس بمسمى صندوق الغارمين وإنما بهيئات ومؤسسات اقتصادية مشابهة لهذا العمل. ففي فرنسا توجد هيئة خاصة لضمان الصادرات أو المشاريع خارج فرنسا، وهناك مؤسسات تابعة لضمان نجاح المؤسسات الصغيرة وضمان ديونها وتمويلها. وفي فرنسا أشهر هذه الهيئات ما تسمى (الكوفاس) Coface ، وفي الولايات المتحدة تعتبر (شبتر 11) Shapter11 إحدى المؤسسات الضامنة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبعض المشاريع الكبيرة، حتى إذا أفلست قامت عنها أمام الدائنين وأعادت بنائها من جديد. والأفكار عديدة ولكنها تحتاج إلى المبادرين بتبنيها والمتخصصين في تنفيذها.. فهل تتبنى الدولة إنشاء صندوق الغارمين ويصرف عليه من إيراد الزكاة (مصرف الغارمين)، بالإضافة إلى مبادرات خادم الحرمين الشريفين في فك أسر المسجونين في شهر رمضان المبارك؟